الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير / آمنا بالأفكار الشيوعية... ولعبا الدور الأبرز في نجاح الثورة البلشفية (1 من 2)

ستالين ولينين... نضال حتى القمة

تصغير
تكبير
| القاهرة من محمد عبدالفتاح |

في تاريخ كل أمة رجال عظماء قادوا النضال والكفاح في سبيل تحرير أوطانهم والوصول بها إلى بر الأمان... واستطاعوا بما لديهم من قدرات خاصة وموهبة في القيادة وشجاعة وإقدام أن يحققوا أهداف وطموحات شعوبهم، وأيضا نجوم ومشاهير قدموا الكثير وحفروا أسماءهم في ذاكرة الناس وصفحات التاريخ كل في مجاله، فنالوا كل تكريم واحترام وحفظهم التاريخ في ذاكرته.

وفي حياة كل عظيم «رجل ثان» كان معه يشد من أذره ويسانده ويدعمه ويقف بجواره في أصعب المواقف وأحرج اللحظات وكان له بمثابة الذراع اليمنى... ومن هؤلاء من اكتفى بهذا الدور وارتضى أن يظل دائما في الظل وربما ينساه التاريخ، ومنهم من أراد أن يحقق ذاته هو الآخر وأن يقفز إلى مكانة الرجل الأول ووصل بعضهم بالفعل إلى هذه المكانة، ولكنهم احتفظوا بولائهم واحترامهم لزعمائهم، وساروا على دربهم وأكملوا مسيرتهم... ومنهم من ضعف إيمانه وانساق وراء شيطانه وانقلب على زعيمه فقتله أو عزله واحتل مكانه ليحقق ذاته أو عن اقتناع منه بأنه هو السبب في كل ما تحقق من إنجازات، ومن ثم يرى نفسه الأحق باحتلال الصدارة.

«الراي» في سلسلة حلقات «الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير... رجل ثان» تلقي الضوء على حياة هؤلاء الرجال وكيف كانوا سببا في ما وصل إليه بعض العظماء من مجد وشهرة بفضل مساندتهم المخلصة لهم. وكيف تحول بعضهم إلى عظماء هم أيضا وصنعوا لأنفسهم تاريخا لا يقل عن تاريخ العظماء الذين اتبعوهم في بداية حياتهم .

كما ترصد في دقة تفاصيل العلاقة التي تجمع بين الاثنين من البداية وحتى النهاية، وتستعرض مسيرة الرجل الثاني منذ ولادته، وكيف تعرف على الرجل الأول أو زعيمه، والاسباب التي دفعته للانضمام إليه ومرافقته كفاحه الطويل ، وبعض المواقف التي برز دوره فيها بوضوح.

وخلال «15» حلقة نتناول عددا من الشخصيات المؤثرة في التاريخ سواء في أوطانهم أو على المستوى العالمي... منهم الساسة والقادة العسكريون ورجال الفكر والأدب.

كذلك تعرض الحلقات لبعض قصص النجاح في الوسط الفني التي كان الرجل الثاني فيها سببا مباشرا في سطوع نجم الفنان وبلوغه قمة المجد والشهرة.



في نهاية القرن التاسع عشر... كانت الامبراطورية الروسية تعاني من الضعف الشديد، وانتشر جميع أشكال الظلم والاستبداد، وتردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية الى حد بعيد... في هذه الأثناء بدأ مجموعة من الشبان الثوريين يفكرون في احياء الأفكار الماركسية وتطبيقها في روسيا... وكان على رأسهم «فلاديمير أوليانوف» الذي سُمي فيما بعد لينين، ورفيقه وساعده الأيمن جوزيف فيسرافيتش، الذي لقب فيما بعد باسم ستالين.

وخاض الاثنان نضالا طويلا ضد القيصر الروسي الى أن تمكنا في أكتوبر من العام 1917 من اسقاط الامبراطورية, وعين لينين رئيسا للاتحاد السوفياتي - آنذاك، وخلال فترة حكمه - التي لم تدم طويلا - حرص على تقريب رفيقه ستالين الذي أصبح بمثابة الرجل الثاني في حياة لينين، وبعد وفاته كان من الطبيعي أن يقفز ستالين الى الحكم في الاتحاد السوفياتي. وقيل ان لينين هو من أطلق على رفيقه «جوزيف» اسم «ستالين» لما عرف عنه من قوة وقسوة في التعامل مع معارضي لينين والثورة البلشفية، ومن شدة اعجاب ستالين بالأفكار اللينينية وضع كتابا بعنوان «أسس اللينينية» طبعت منه عدة طبعات ، فيه أكد اعجابه الشديد بزعيم الحزب الشيوعي، وعبر عن سعادته بوجوده بجواره.



النشأة

وُلد ستالين في مدينة غوري في الامبراطورية الروسية في العام 1879، وكان والده «اسكافي» يدعى «بيسو»، وأمه فلاحة تدعى «ايكاترينا». وكان الأب مدمنا على الخمر، ويضرب ستالين بقسوة في طفولته بسبب ومن دون سبب ... حيث كان الضرب شائعا في تلك الفترة لتعليم الأبناء ، وفجأة ترك «بيسو» عائلته ورحل وأصبحت أم ستالين بلا معيل، فاضطرت الى العمل في حياكة الملابس وغسلها وتنظيف البيوت لتأمين نفقات الأسرة. دخل ستالين مدرسة تابعة للكنيسة الأرثوذكسية وهو في التاسعة. وعند بلوغه الـ «14» توفي والده ، فأرسل الى مدرسة اللاهوت الروسية في «تبليسي» ليتابع دروسه هناك ويتخرج كاهنا. ولكنه لم يهتم بالدراسة وانشغل بالشيوعية وأخبارها ، فطرد من المدرسة العام 1899 بتهمة التحريض على الشغب وعدم الانتظام في الدراسة أو الالتزام بمواعيد الاختبارات. وبذلك خاب ظن أمه، فقد كانت تتمنى دائما أن يكون كاهنا، وكان ذلك سببا قويا لتوتر علاقته بأمه حتى بعد أن وصل الى الحكم، حتى أنه لم يحضر جنازتها وقيل انه كان ينعتها بالعجوز الرخيصة.



ستالين ولينين

وبقي ستالين في تبليسي متنقلا من عمل الى آخر، وما لبث أن انتسب الى الحزب الديموقراطي الاشتراكي الروسي، وبعد ذلك أصبح من أتباع الزعيم الروسي لينين مؤسس الحزب الشيوعي، فقد تأثر بأفكاره وميوله الثورية، وكان من المؤيدين لسياسته بقوة قبل أن يراه، وبدأ يمارس التحريض على العصيان ضد القيصر.

فكان يكتب المنشورات ويوزعها سرا. كما نظم العديد من الاضرابات في صفوف العمال في تلك المدينة، وعندما سمع به لينين أرسل اليه رسولا وأخبره بأن لينين يقول له اننا بحاجة الى ثورة سياسية، فالاضرابات وحدها لن تؤدي الى نتائج حاسمة ويجب التغلب على قوة القيصر والقضاء عليها، ولا يستطيع القيام بذلك الا العمال المجتمعون في المدن، وقد عظم لينيين في عين ستالين بعد هذه الرسالة ، وازداد ايمانا بالمبادئ اللينينية، ورأى فيه القائد الثوري الذي يقف فوق الجميع، وقرر أن يصبح ثوريا محترفا، وبدأ بالترويج للثورة وكان على اتصال مستمر بلينين.

سنة 1903 انقسم الحزب الى بلاشفة وملاشفة ، لاعتراض الأخيرين على سياسة العنف التي اتبعها لينين، فانضم ستالين من دون تفكير الى البلاشفة ليكون بجوار لينين وتحت قيادته... ومن وقتها أصبح تابعه الأمين وأقرب المقربين اليه والرجل الثاني في الحزب فعليا ، وذلك بفضل اعجاب لينين الشديد بقدراته التنظيمية ، وارادته الحديدية.

وقيل انه ومنذ ذلك الحين أصبح الاثنان صديقين مقربين ورفيقين مناضلين، وفي العام 1912 عينه لينين عضوا في الهيئة المركزية للحزب ، وفي ذات العام اعتقل ستالين ولكنه سرعان ما فر من المعتقل وتوجه الى سان بترسبورغ... حيث عمل على تأسيس خلية بلشفية داخل مجلس الدوما - البرلمان القيصري، وقيل ان الاثنين هربا بعد ذلك من الجحيم الروسي الى ألمانيا ليواصلا هناك المد الثوري ويستغلا بشدة ضجر الشعب الروسي بأكمله من الحرب العالمية الأولى التي دخلتها روسيا القيصرية من دون سبب واضح، والتي كلفت الروس كثيرا من دون مصلحة يراها الشعب من وراء هذه الحرب.

وبدأت المعونات تتدفق عليهما وعلى الثورة من الحكومة الألمانية التي كان من مصلحتها العليا بالطبع تدعيم الثورة على النظام الروسي لصالح الثوار الذين اكتسبوا شعبيتهم الطاغية من مجرد اعلانهم أنهم ضد الحرب، وعزمهم على الانسحاب منها فور أن تستتب الأمور لهم.

وفي العام 1913 اعتُِقل ستالين وأرسل الى منطقة نائية جدا من سيبيريا تقع ضمن الدائرة القطبية. وكانت تلك المرة الوحيدة التي فشل فيها في الفرار، فبقي حتى سنة 1917، عندما عفت حكومة ألكسندر كيرينسكي الانتقالية عن جميع المساجين السياسيين. وهكذا عاد ستالين الى بترسبورغ واستقبله جميع رجال الحزب في محطة السكة الحديدية وكان المؤسس الحقيقي للحزب لم يحضر بعد وتم ترشيح ستالين ليكون رئيسا للحزب حتى عودة لينين.

وبعد عودته اجتمع أعضاء الحزب لتشكيل لجنة جديدة عرفت باسم «هيئة أركان الحرب للحزب البلشفي التي عليها أن تقود الثورة»... وقد أعلنت اللجنة العصيان المسلح وبدأت تقود الثورة وأخذت تسيطر على بعض المواقع المهمة مثل: البريد والتلفون وبعض الوزارات وسكك الحديد والمخازن والمستودعات ، وقتها كان ستالين يقود قوات الجيش الأحمر بتكليف من لينين ، وكان لهذه القوات الفضل الأكبر في ملاحقة وتوقيف وزراء الحكومة السابقة ، ومهدت الطريق لسيطرة الحزب الشيوعي على مقاليد الأمور في روسيا .

وتم انتخاب لينيين رئيسا لمجلس وزراء الشعب وتولى ستالين وزارة القوميات، ثم تقلّد ستالين منصب المفوّض السياسي للجيش الروسي في فترة الحرب الأهلية الروسية، وفي فترة الحرب الروسية البولندية، وتقلّد أرفع المناصب في الحزب الشيوعي الحاكم والدوائر المتعددة التابعة له. وفي العام 1922، تقلّد ستالين منصب الأمين العام للحزب الشيوعي، وحرص على أن يتمتع منصب الأمين العام بأوسع أشكال النفوذ والسيطرة.



وصوله للحكم

في نهاية العام 1923 مرض لينين وساءت حالته الصحية وأصيب بالشلل، وهنا بدأ ستالين يعد نفسه ليحل محله، فهو يرى أنه الأحق بقيادة الحزب والدولة الروسية، على اعتبار أنه كان الرجل الثاني في مسيرة لينين والداعم له حتى نجاح الثورة البلشفية ... في هذه الأثناء حاول بعض المعارضين انتهاز الفرصة ليستولوا على الحكم، غير أن ستالين فطن لأطماعهم وكان لهم بالمرصاد وأمر بحركة تطهير واعدام القادة المخططين لهذه المعارضة بعد تقديمهم للمحاكمة، وتولت لجنة من 3 أشخاص كان ستالين أحدهم القيام بوظيفة لينين، وفي 21 يناير 1924 أعلن عن وفاة لينين وسيطر ستالين على زمام الأمور وأحكم قبضته على المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب، وحاول بعض أعضاء اللجنة المركزية من أمثال تروتسكي اقصاء ستالين الا أنه بدهائه تخلص منهم وقام بتحديث أعضاء الحزب الشيوعي وعين قادة جددا في الجيش حتى يضمن ولاءهم له، ووعدهم بتكوين جيش قوي حديث يضم الدبابات والطائرات المقاتلة، ان هم ساعدوه على تحويل البلاد الى ثورة صناعية واخضاع الفلاحين لنظام المزارع التعاونية، وقد وعدوه بذلك.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي