العروة الوثقى

تصغير
تكبير
| د. وليد محمد عبدالله العلي |

الحمد الله الذي جعل آية الكرسي عروة الآيات القرآنية، والتي زُيِّن جيدها بأنفس القلائد، فهذه معشر الأخوة والاخوات بعض معاني آية الكرسي الحافظة من اذى كل جني وأنسي، فما أعلاها من آية وبيان، وأعظمها من حجة وبرهان، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر جُمل يُصدق بعضها بعضاً في الوعظ، وحوت خمسين كلمة مثبتة ونافية شافية وكافية وآخذة بعضها بُحجز بعض.

سنتأملها معكم - بمشيئة الله تعالى - من خلال هذه الزاوية طوال شهر رمضان المبارك.



الجملة الثامنة:

(وسع كرسيه السموات والأرض) (3)




فطوبى لمن أحب وبذل في الله، وطوبى لمن تجاوز عن عباد الله، فقد اخرج احمد عن ابي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من نفّس عن غريمه أو محا عنه: كان في ظل العرش يوم القيامة).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنظر مُعسراً أو وضع له: أظلّه الله يوم القيامه تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله) اخرجه احمد والترمذي من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.

ومن رام ان تصل كلماته الى العرش المجيد: فعليه ان يلهج بالتسبيح والتهليل والتحميد، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل، تُذكّر بصاحبها، أما يحب احدكم ان يكون له من يُذكّر به؟) اخرجه احمد وابن ماجه.

ويدل على جلالة الامر وعظمته تعلقه بهذا العرش الجليل: كما تتعلق الرحم وأرواح الشهداء التي تأوي الى القناديل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله) اخرجه مسلم.

فمن وصل رحمه ولم يقطعها وإن أدبرت فهو السعيد، ومن سرحت روحه في الجنة ثم آوت الى العرش فهو الشهيد، فعن مسروق بن الاجدع رحمه الله تعالى قال: (سألنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون «169») (سورة آل عمران: الآية 169)؟ قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: ارواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي الى تلك القناديل، فاطلع اليهم ربهم اطلاعه فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: اي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا انهم لن يُتركوا من ان يُسألوا قالوا: يا رب، نريد ان ترد ارواحنا في اجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة اخرى، فلما رأى ان ليس لهم حاجة: تُركوا) اخرجه مسلم.





* أستاذ العقيدة بكلية الشريعة  جامعة الكويت
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي