الأهالي رحبوا بالمبادرة «لكن المال لن يمحو مسلسل الرعب»

«حزب الله» و«الأحباش» يعوّضان متضرري الاشتباكات ... «عن كل ثقب»

تصغير
تكبير
| بيروت - من ريتا عقيقي |

يتربّع أحد الرجال على الرصيف في يده استمارة ويسأل الشاب الذي جلس الى جانبه: «أعطن هويتك لأكتب اسمك كاملاً، وأعد على مسامعي ما الذي تضرّر لك؟». على مقربة منهم، تجمهر عددٌ من الأفراد اتّجهت عيونهم الى زجاج المنزل في الطبقة الثالثة التي يشير اليه الرجل السبعيني. وما لبث أحدهم أن استأذنه الصعود للكشف من كثب لأن «التكسير غير واضح».

المشهد غير اعتيادي، وربما مستغرب لدى معظم اللبنانيين الذين تعودوا تحمّل نفقات «الأحداث الأمنية» حتى لو لم تكن لهم أي علاقة بها. بيد أن ما تمّ الاتفاق عليه خلال الاجتماع الذي ضمّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرلله ورئيس «جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية» الشيخ حسام قراقيرة حول ضرورة «تأليف لجنة مشتركة من الطرفين لمسح الأضرار وتعويض المتضررين فوراً» اثر أحداث برج أبي حيدر والاشتباكات التي شهدتها بعض الأحياء المحاذية لها ليل الثلاثاء 24 أغسطس لم يكن مجرّد حبر على ورق. وبدت مناطق برج أبي حيدر والنويري والبسطة والمزرعة وغيرها على موعد مع «قفل الملف المادي» المتصل بالاضرار العديدة التي خلفتها ساعات قليلة من المواجهات، فيما الكلام السياسي حولها لم ينضب بعد. ولليوم الثاني واصلت لجنة «الخندق الواحد» أعمالها، قاصدةً كلّ من أصابته «شظايا» الاشتباك «لتعويض كل ثقب نجم عن أحداث ليل الثلاثاء» بحسب ما قال أحد المهندسين الذين تتألف منهم اللجنة لـ «الراي».

قبالة متجر لبيع الحلويات حيث تجمّع عناصر الجيش اللبناني الى جانب دبابتهم، توجّه أعضاء لجنة تفحّص المباني برفقة بعض الصحافيين والجيران الى مدخل البناية التي يقع فيها منزل الحاج مصطفى الشامي. الغرفة المطلّة على الطريق الفرعية كانت المتضرّر الاكبر من «النيران الصديقة». يُفسح الشامي المجال أمام المهندس لتقدير مساحة الزجاج الذي انكسر فيما تسرع زوجته الى اخبار الجميع أنهم كانوا داخل الغرفة حين أصابت القذيفة زجاج الشرفة، شارحة والخوف في عينيها كيف اندفعت مع ابنائها الأربعة نحو أسفل المبنى للاحتماء من الرصاصات الطائشة واحتجز الجميع هناك حتى صدور قرار التهدئة.

ثم توجهت اللجنة الى الشارع المقابل، حيث رُكنت سيارتان من «جيلين» مختلفين ولكن بأضرار متشابهة : ثقوب في الهيكل الخارجي والزجاج. وعلى بعد بضعة أمتار منهما، استثنت اللجنة مسجد برج أبي حيدر الذي لم توفره الحوادث من الطلقات والقذائف. كما استثنت مبنى «حزب الولاء الوطني» (مجلس الأعيان الكردي اللبناني الأعلى) حيث ارتفعت صورة عملاقة لـ«الشهيد الصائم أحمد عميرات» ابن الـ 19 عاما الذي سقط برصاصة «ضلّت طريقها».

وبما أن لا طريقة لتعويض خسائر الأرواح، استكملت اللجنة المشتركة معاينتها للأضرار المادية. وأوضح مهندس فيها رفض الافصاح عن اسمه أنه «تمّ في اليوم الأول انجاز 70 في المئة من مسح الأضرار كما تمّ تسليم جميع المتضررين المبالغ التي يستحقونها». وعن آلية الكشف والتعويض المعتمدة قال «بفضل اللجنتين اللتين شكلتا يتمّ الكشف ميدانياً على المحال والسيارات والدراجات الهوائية. وبعد ملء الاستمارة الخاصّة بكلّ فرد تتصلّ اللجنة باختصاصيين سائلة اياهم عن المبلغ الواجب دفعه. وعلى هذا الأساس يتمّ التعويض قبل موعد الافطار في اليوم نفسه». واضاف أن «لا سقف للمبلغ الذي يمكن دفعه»، رافضاً تاليا كشف قيمة الأموال التي تمّ رصدها من جانب الطرفين.

في محيط احدى التعاونيات المشهد مُظلم وشبح الحرب حاضر عند الالتفاف يميناً : مجموعة دراجات هوائية الى جانبها سيارتان هما الشاهد الأكبر على العنف الذي عرفته تلك الليلة السوداء. النساء والأطفال يعاينون المشهد رافضين التسليم بأن ما تراه أعينهم حقيقة وليس لقطة من احد الأفلام الحربية.

«المرتكب معلوم»

في محاذاة سيارته المتحطّمة من نوع «سوبارو» طراز 1983 وقف عبد، العامل في محل للزجاج يروي للخبير الاضرار التي «ألمّت» بالسيارة. وبعدما استحصل منه على أوراقه الثبوتية ومواصفات المركبة ودفترها سأله «ما المبلغ الذي تُريده؟». تلعثم عبد ثمّ اجاب «أطالب بنصف سعرها». «ما قولك بـ 700 دولار أميركي؟» اقترح الآخر. هز عبد رأسه ايجاباً ليعاود الخبير السؤال «من صاحب السيارة الأخرى؟» فاجاب أحدهم «انها للسيدة هدى الكرا ولكنها غير موجودة حالياً». فبادر الخبير الى الاتصال بها سائلاً اياها الحضور في أسرع وقت.

لم تخف الكرا لـ«الراي» غضبها مما حصل ليل الثلاثاء، مشبهة اياه بـ«نموذج مصغر» من حوادث 7 مايو 2008 وقالت «نحن سكان المنطقة ونملك على مقربة من مكان احتراق السيارة مختبرات طبية، وهي ليست المرة الأولى ندفع فيها ثمناً للاشتباكات التي تقع في هذه الأحياء فخلال حوادث 7 مايو احترقت منازلنا وسياراتنا وعشنا الرعب والخوف». ابدت ايضا استياءها من حيازة مجموعات أياً يكن انتماؤها للسلاح وعن سيارتها قالت «لم أكن في وارد الاستغناء عنها فقد كانت ممتازة. وابلغت اللجنة أنهم اذا أرادوا أن يعوّضوا لي فعلياً فليشتروا لي بديلاً منها». واضافت «عندما قصدت النيابة العامة التمييزية للادعاء رفضت أن تُقدّم الشكوى بحقّ مجهول لأن المرتكب معلوم وهو حزب الله وجمعية المشاريع. واذا كانوا يريدون التشاجر فليذهبوا بعيداً منا لأننا لسنا اسرائيل داخل بيروت. هذه منطقتنا ونرفض مغادرتها وهم الدخلاء وليس نحن، وأتحدث باسم الجميع في البسطة، النويري، برج أبي حيدر، المزرعة وبربور». وتتحسر هدى على نسخة من القرآن احترق جزء منها داخل السيارة «علما اننا في شهر رمضان المبارك شهر التسامح والمحبة»، وتهاجم المتنازعين «الذين يدعون مخافة الله وخدمته في وقت يتعرضون فيه للعزل الذين لا يملكون أسلحة أو وسائل للدفاع عن أنفسهم».

وفيما يكمل الخبير ملء استمارات الدراجات الهوائية التي تعود الى شبان يعملون في التعاونية وكانت تُستخدم لايصال الطلبات الى المنازل، يشير وفيق عيتاني الى المهندس ليريه الاضرار التي أصابت واجهة محله والبناية التي يقيم فيها، ويقول «حاولنا ازالة اثار الدخان الأسود التي كست حيطان المبنى من دون جدوى. أما بوابة المتجر الحديد فقد احترقت كلّها». ويُطالب بـ 3000 دولار أميركي لطلاء البناية رغم انها قديمة فيُمازحه جاره قائلاً «يلا منعمل كلّ شي فرد مرة».

هذا الجار لم يُطالب اللجنة بأي فلس، وأعاد بنفسه ترميم واجهة محله وقام بدهن بابه الحديد شاكراً الله أنه لم يكن موجودا أثناء الاشتباكات. وعلق «اذا كان المتحالفون في لبنان قد اختلفوا، فماذا في استطاعتنا أن نُضيف؟».

في اليوم الأول لعملها، زارت اللجنة عشرات الأفراد مُلبية لهم ما طالبوا به من تعويضات. لكن المتضرر الأكبر كان سليم الكجك الذي احترق منزله بالكامل. في أسفل البناية حيث يقيم اخبرتنا زوجة الناطور أحلام «مسلسل الرعب» الذي عاشوه: «وصل زوجي الى أسفل المبنى فتنشق رائحة حريق. ظنّ في البداية أن الطابق الخامس هو الذي يحترق. فصعد الدرج للتأكد من مصدر الرائحة الا أنه لم يجد شيئاً فأكمل حتى بلغ الطابق التاسع حيث يقع المنزل. حاول الاتصال بعناصر الاطفاء لكنهم عجزوا عن الوصول بدورهم بسبب اندلاع المعركة في الشارع، فاحترق المنزل بكامله. وبعد ساعة ونصف الساعة أمضاها مع خمسة شبان من الجيران في محاولة اطفاء النيران الى ان وصلت المساعدة».

من جهته، روى كجك الذي كان وزوجته خارج منزلهما «كنا نتناول العشاء في الرملة البيضاء (غرب العاصمة) حين اتصل بي الناطور عند الثامنة ليُخبرني أن حريقاً نشب في المنزل جراء صاروخ فيما يُردد البعض أن رصاصة أصابت مكيّف الهواء ما تسبب بانفجاره واحتراق المنزل. تعذر عليّ فور تلقي الاتصال بلوغ المنزل بالسرعة المطلوبة نظراً الى الحال الأمنية. وقد واجه الشباب الذين عملوا على اخماد الحريق مشكلة في دخول البيت لأنه موصد بباب حديد، ما اضطرهم الى نشره لبلوغ الداخل». واضاف «صحيح أن منزلي صغير الحجم الا أن فيه العديد من التحف الأثرية والمخطوطات والسجاد بالاضافة الى حلي زوجتي واموال احتفظنا بها للضرورة». وعن التعويض الذي دفعته اللجنة قال «قبلت بمبلغ رمزي لأن أعضاء اللجنة كانوا لطفاء للغاية وصارحونا بأن هذه هي الامكانات المتوافرة. وابلغني من سلّمني المبلغ ان في امكاني المراجعة والاعتراض على القيمة كوني المتضرّر الأكبر. والارجح انني سأقدم على هذه الخطوة لأنني وهبت هذا المنزل 33 عاما من عمري وقد افادني المهندسون الذين عاينوه أنني في حاجة الى 30 ألف دولار أميركي لاصلاحه من دون احتساب الموجودات والأثاث». الكجك انتقل وزوجته الى منزل اخر في الجيّة (جنوب بيروت)، واوضح ان اصلاح منزله يتطلب نحو شهرين.





الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي