د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / علاقة أحمر الشفاه بمجاعة الهند

تصغير
تكبير
ذكر أنيس منصور في أحد مقالات كتابه «أنت عنيف وأنا أيضاً» مجموعة من القصص عن علاقات خفية بين الأحداث التي تحل بالمجتمعات وأنها علاقات معقدة أحياناً، يصعب على الشخص العادي الربط بينها بعلاقات سببية بسيطة، فقال: هل تعرف، مثلاً، ما العلاقة بين أحمر الشفاه البني وبين المجاعة في الهند؟ هناك علاقة مؤكدة، فقد ظهر هذا النوع من أحمر الشفاه عندما أصبحت شنط السيدات المصنوعة من جلد الثعابين هي الموضة، والثعابين يصطادونها في الهند، وكلما نقص عدد الثعابين تزايد عدد الفئران، وكلما زاد عدد الفئران هلكت سنابل القمح، وإذا نقص القمح في الهند مات الناس من الجوع، فالناس يموتون في الهند، لأن أحد المشتغلين بالتجميل قرر أن تكون أحمر شفاه النساء في لون جلد الثعبان! انتهى.

هكذا وبدم بارد يموت البسطاء من الناس في أنحاء المعمورة، من أجل تحقيق رغبات جامحة لقلة قليلة من المترفين، لا تنظر لتأثير ما تريد وترغب على غيرها من البشر، ممن يشاركونهم الإنسانية، حتى ولو كانت تلك الرغبات سبباً لهلاكهم ودمارهم.

هي الفكرة نفسها التي حاول مؤلفا كتاب «فن تفكير الأنظمة» إيصالها لنا، وهي أن هناك ظواهر ومشاكل تبدو لنا، وللوهلة الأولى، ذات أسباب واضحة، فإذا حدث س، كانت النتيجة ص، مع أن الأمور أكثر تعقيداً مما نظن، ولعل اسباب تلك الظواهر والمشاكل الحالية التي نعيشها أسباب لم تخطر على بال أحد لو تأملناها.

ما نراه يومياً من صراعات سياسية وحروب إعلامية بين أطراف عدة يجعل الحليم حيرانا، فلا تكاد تنطفئ حرب، إلا واشتعلت أخرى، وكأننا كتب علينا أن نعيش حروباً داخلية، عوضاً عن الأزمات الإقليمية التي تلوح لنا في الأفق، وكمراقبين لتلك الحروب بين أطراف عدة نظن، وبسذاجة أحيانا، أنها نتيجة أسباب ظاهرية، مع أن العالمين ببواطن الأمور يعرفون سبب إيقاد تلك الحروب، التي لا تكاد تهدأ في بيئة صغيرة، في بلد صغير، مثل الكويت.

خذ عندك مثلاً، مسألة ازدوجية الجنسية، ومن قبلها قضية البدون، والأزمة الرياضية وتداعياتها، وخطة التنمية ومشاكل تمويلها، ومشروع قانون الخصخصة، وتدهور شركة الخطوط الجوية الكويتية لدرجة الاقتراض من البنوك لتمويل رواتب موظفيها، وتزاحم بعض التيارات السياسية على سحق الناطور دون العنب، كلها في رأيي ظواهر تبدو للمتابع العادي واضحة الأسباب، معروفة للجميع، مع أن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فالعلاقات فيها متشابكة معقدة، والمصالح فيها متنافرة لفئات متنفذة عدة!





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي