يبدو بأن لصوص رمضان قد ازدادوا خبرة وتمرسا على السرقة الى درجة غير مسبوقة، ومن الظواهر التي تزداد ترسخا خلال شهر رمضان سنة عن سنة انواع المأكولات التي لم يعرفها الاجيال من قبل، وقد تخصص مئات المطاعم وربات البيوت لتجهيز كل ما يملأ موائد الافطار ويفيض، وتتسابق القطط في الشوارع على اقتناصه بعد ان يلقى في القمامة، ويا ويل من يعترض على ذلك الاسراف والاسفاف، فيأتيه الرد جاهزا: «حرام عليك الناس صائمون ومن حقهم ان يحصلوا على افطار شهي».
في كل يوم أجمع عشرات الملصقات على البيت والسيارة وفي الجمعية ودعايات لمطاعم او ربات بيوت يتفنن في تجهيز افضل الطعام وبيعه على الناس حتى اصبح رمضان اصعب شهر يستطيع فيه الانسان المحافظة على صحته.
مناسبة القرقيعان التي كانت في السابق بسيطة وعفوية قد تحولت الى مباهاة بين الناس فيمن تجهز أشكال غريبة من الصناديق غالية الثمن وتوزعها على المعارف تحمل اسماء ابنائهم وبناتهم، وقد تنفق الاسرة ألفي دينار او اكثر لتجهيز تلك الصناديق بعدد العوائل التي تعرفها ويبرز في كل عام اسم طفل من الاطفال استطاعت أمه ان تجهز له صناديق قرقيعان تشد الانتباه وتسكت الآخرين.
وقد سمعت عن منزل في المنطقة يوزع على الاطفال «باربكيو» وبوفيهات غالية تحت مسمى القرقيعان.
أما السارق رقم (1) في رمضان فهو المسلسلات والتمثيليات التي تتنافس في المحطات الفضائية طوال العام على تجهيزها لرمضان، وغالبها تفتقد الى أبسط امكانات التأليف والسيناريو والاخراج، بل يقوم بها هواة لا فهم لهم بالقضايا الاجتماعية ولا بمشاكل المجتمع يخدعون بها الناس من خلال الدموع الكاذبة والتهويل والردح.
ويقابل ذلك مسابقات رمضانية تخلع الناس من بيوتهم ركضا وراء جوائز تافهة يعرضونها من خلال ملكات جمال بأبهى زينتهن، وأسئلة حول الفن والغناء والطرب.
أما البدعة الكويتية التي سبقنا بها العالم في رمضان فهي «الطنازة» على جميع شعوب العالم بلا منازع وأقصد بها الاستهزاء الذي هو صفة الشعوب الفاشلة، فقد اصبح لدينا شخصيات كاريكاتيرية تمثل جميع طبقات المجتمع وبرامج لشتم طبقات المجتمع والتركيز الشديد على المتدينين وكأنما مصائب الدنيا كلها قد حدثت بسببهم!!
نحن لسنا ضد النقد البناء واستخدام الوسائل الترفيهية والرمزية لبيان مواطن الخلل والفساد في المجتمع، لكننا ندرك بأن الكذب على الاشخاص والاستهزاء بهم وتصويرهم بصورة منفرة للآخرين لا يمكن ان يكون هو طريق الاصلاح المنشود، أما اختيار هذا الشهر الكريم للتفنن في ذلك الاسهتزاء فهي قضية تصيب الناس في مقتل.
هنالك سرّاق كثر في رمضان لا مجال للتفصيل في سرقاتهم منها الاسواق التي تتفنن في استقطاب الزبائن ومنها الدورات الرياضية ولعب الورق ومنها الدواوين المستمرة طوال الليل في توافه الامور وغيرها، والسؤال هو: ماذا سيحدث بعد عشر سنوات من الآن، هل سنلغي الصيام ونكتفي بتلك العادات الاجتماعية الطاغية ليصبح رمضان شهر الوناسة فقط؟!
د. وائل الحساوي
[email protected]