محمد الدلال / أفكار / قالوا ولم أقل... «الحكومة غدرت فينا»

تصغير
تكبير
قال الشاعر «حب السلامة يثني عزم صاحبه... عن المعالي ويغري المرء بالكسل»

كان محل عبارة «الحكومة غدرت فينا» الهمس منذ أعوام عدة سابقة لا أذكر متى كانت! أما في أيامنا هذه فنجد ألسنة كثيرة عديدة تلهج بها ليل نهار، وبالعربي نهاراً في مكاتب المسؤولين في الدولة وليلاً في دواوين الكويت العامرة والبعض الآخر يطلقها صراحة في جلسات مجلس الأمة، وللتوضيح زيادة ومن دون نقصان فإن هذه العبارة تذكر من نوعين من الناس الأول منهما ذلك الذي ذاق مرارة الغدر كما يقولون عندما تتراجع الحكومة عن قرارات اعتمدتها وشجعت أصحابها على المضي في تنفيذها ثم تأتى المفاجأة وفى ليلة ظلماء لا قمر فيها تتراجع الحكومة وكما نقول بالعامية تقص الحبل بأصحابها، وأما النوع الثاني وهم كثر في هذه الأيام فهم ممن يخشون الوقوع في فعل الغدر والتراجع فهم على طمام المرحوم لا نية لهم بتقديم الجديد أو المبادرة بأي مشروع أو برنامج في نطاق أعمالهم أو وظائفهم، وعليه نجد البلد مكانك راوح مع الأسف، وهؤلاء في تبريرهم لتصرفاتهم يرددون دائماً أكثر من ترديدهم سورة الفاتحة في صلواتهم الخمس بأن الحكومة ما ينشد الظهر بها!

هل ترى بالغت في دعم ما قاله الآخرون من أن الحكومة تغدر بأصحابها؟ والإجابة بالشك في ذلك فقد بلغ السيل الزبى كما يقال حتى خرج الكثيرون من طورهم وأصبح التصريح به في وضح النهار بعدما كان في جنح الليل والشواهد على ذلك عديدة، فبالأمس القريب يذكر وزير النفط الشيخ أحمد العبدالله في رده على سؤال برلماني أن السيدة مها ملا حسين وهى مسؤولة رفيعة المستوى في القطاع النفطي ذكرت أن الحكومة قد غدرت بالمسؤولين في القطاع النفطي! وفى مثال آخر صارخ حينما تراجعت وألغت الحكـــومة في إحدى جلسات مجلــــــس الوزراء ودون نقاش أو تبرير موضوعي مشروع محطة الصبــــية لإنتاج الكهرباء في عهد الوزير بن سلامه مما أربك المسؤولين في وزارة الكهرباء حتــــى يومنا هذا وابتلي البلد من تراجع لا مبرر له حتى الآن؟ وليــــس ببعيد عنا ما قامت به إحدى الحكومات الســــابقة عنـــدما قصت الحبل بالوزير بدر الحميضي بعد أن تم تدويره ونقله من المالية إلى النفط ليجد هذا الوزير نفسه بعد أيام من تعيينه في المنصب الجديد خارج التشكيل الوزاري ولسان حاله أنتم نقلتموني وعينـــــتموني فلماذا هذا التراجع؟ وكذلك خلقت أزمة المجلس الأعلى للبترول في الأسابيع الماضية وبعضهم يؤكد أن هناك مؤامرة علـــيهم من أطراف حكومية بذاتها! ومنــــــذ أسابــــيع قليله يتعرض أحد الوزراء للشتم جهاراً نهاراً في إحدى القنوات من قبل شخصية معروفة وتقف الحكومة عاجزة عن التصرف في حماية وزيرها! وأخـــــيراً وليس آخراً شرباكة الرياضة، وعدم تطبيق القانون، وتــضارب الــــــقرارات لتصــبح سفــينة الرياضة الكويتية أسيرة الأمواج المتلاطمة من التردد والتراجع الحكـــومي تجــــاه هــــذه القضية الشعبية!

يا سادة يا كرام إن المقصد من إثارة هذا الأمر وتذكير البعض بالقصص المكررة من النمط المستمر للتراجع والتخاذل في دعم من يعمل مع الحكومة أو ينفذ سياساتها هو خطورة تعاظم أزمة الثقة بين تلك الحكومات المتعاقبة وبين من غدر بهم أو من يخشون الغدر بهم، وإن تعاظم أزمة الثقة جعلت الكثير من الأطراف تأبى ابتداء المشاركة في أي وزارة لعلمهم المسبق بافتقاد الحكومات للأسس المتينة في الاستقرار، وضمان الدعم والتأييد في استلام وتولي المشاريع الرئيسة التي تخدم الدولة والمجتمع، كما أن أزمة الثقة ذاتها هي التي صنعت بعبعاً كبيراً لدى القيادات المسؤولة في الدولة، وعلى رأسهم الوزراء الذين تبنوا خطاً غريباً بأن يجعلوا معظم قراراتهم تصدر عن طريق مجلس الوزراء مع أنهم المختصون بإصدارها خشية المواجهة وغياب الدعم المطلوب من مؤسسة مجلس الوزراء، وهى ذاتها التي جعلت عددا من النواب يخشى العمل مع الحكومة لعلمهم المسبق بإمكانية الغدر بهم في أي لحظة، كما أن أزمة الثقة والخوف من التراجع الحكومي خلق قناعة عند عدد من المسؤولين بضرورة عدم المضي قدماً في الكثير من المشاريع الحيوية في البلاد متبنين المثل الدارج القائل الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح.

نقول وبالله التوفيق أنه لن تنفعنا خطط للتنمية، أو قوانين جديدة تقر في مجلس الأمة، أو تصورات توضع للتعامل مع قضايانا المحلية والإقليمية، ما لم تتوافر في مؤسساتنا القيادية، وبالأخص الحكومة، قيم وصفات وأفعال ومهارات القيادة، فالإدارة دون قيادة حكيمة قادرة ومتمكنة ولديها قوة وحزم ونظرة ثاقبة للأمور ونية وفعل بتطبيق القانون ستجعل فعل الغدر لا قدر الله هو القاعدة وليس الاستثناء في تصــرفات الحكومة مع العديد من القضايا، وســــــيكرس أزمة الثـــــقة، ويـــجعل البـــلد أكثر جموداً مما عليه، أما القيادة التي ينشدها الجميع فتلك هي التي لديها رؤية وقدرة على الإدارة، وتضع نصب عينها دعم وزرائها والعامليـــن معها وفقاً للدستور والقانون وبما يضمن تحقيق أهدافها وخططها... يقول جان كارلسون «لا يولد الناس متحلين بالثقة بالنفس وأهم دور للقائد هو غرس الثقة بالنفس في رجاله».





محمد الدلال

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي