شادية ... معشوقة الجماهير / قصة حب بدأت على شاطئ الترعة... أثناء تصوير «أقوى من الحب»

زواج تحت التهديد... من عماد حمدي

تصغير
تكبير
|القاهرة - من أحمد نصير|

«الدلوعة»... «معبودة الجماهير»... «بنت مصر»..«قيثارة مصر»... «عروس السينما العربية»... «ربيع الغناء والفن العربي»... و«معشوقة الجماهير»... هكذا لقبت الفنانة المصرية المعتزلة شادية، هذه النجمة الاستثنائية في عالم الفن العربي. عنها قالت سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم «ان شادية صاحبة صوت جميل، سليم، متسق النسب والأبعاد، مشرق، لطيف الأداء يتميز بشحنة عالية من الأحاسيس، وبصوتها فيض سخي من الحنان، وشادية واحدة من أحب الأصوات الى نفسي».

أما العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فقال: «ان شادية هي المفضلة لديّ غناءً وتمثيلا من بين كل الفنانات».

هذا عن شادية المطربة، أما شادية الممثلة فقال عنها أديب مصر العالمي الراحل نجيب محفوظ «ان شادية ممثلة عالية القدرة وقد استطاعت ان تعطي سطوري في رواياتي لحما ودما وشكلا مميزا لا أجد ما يفوقه في نقل الصورة من البنيان الأدبي الى الشكل السينمائي، وكانت «حميدة» في «زقاق المدق» صورة لتلك القدرة الفائقة التي لا أتصور غيرها قادرا على الاتيان بها، وهي كذلك أيضا في غير أعمالي فقد رأيتها في بداياتها في دور الأم المطحونة المضحية في فيلم «المرأة المجهولة» وتصورت ان بمقدورها ان تحصل على جائزة «الأوسكار» العالمية في التمثيل لو تقدمت اليها».

انها شادية التي استطاعت عبر مئات الأغاني و116 فيلما سينمائيا ان تقول للجميع انهم أمام حالة فنية غير مسبوقة.. انها الفنانة التي فرضت نفسها وسط عمالقة الغناء واجتذبت قاعدة كبيرة من الشباب... وبقدر ما كانت بسيطة، كانت عميقة، بقدر ما راهنت على الفن.. راهنت على الجمهور، ونجح رهانها في المرتين. والدليل انها بقيت نجمة الشباك الأولى في السينما العربية لأكثر من ربع قرن. أسرار ومواقف وحكايات مثيرة كثيرة في حياة معشوقة الجماهير... سنتعرف عليها في 15 حلقة، عبر «الراي»... نقترب من تفاصيل حياة هذه النجمة سواء في الفن أو بعد اعتزالها وارتدائها الحجاب ومواصلة مشوار عمرها في رحاب الله، ورفضها التام العودة للغناء أو حتى الظهور على الفضائيات مقابل ملايين الدولارات حتى ان البعض شبهها بـ «رابعة العدوية»... فابقوا معنا... حلقة بعد أخرى مع شادية.



تزوجت شادية من الفنان عماد حمدي في 22 يوليو العام 1953، لتغلق باب الشائعات التي تحدثت عن قصة حب بينها والفنان كمال الشناوي، وقد أثار هذا الزواج الكثير من علامات الاستفهام، لأن أحدا لم يكن يتوقع أن تتزوج شادية من آخر غير كمال الشناوي، لكن كيف تزوجت شادية من عماد حمدي، بالرغم من فارق السن الكبير بينهما؟... الإجابة في السطور التالية.

تعرفنا في الحلقة السابقة... أن أول حب في حياة شادية كان هو «الضابط فتحي»، الذي استشهد في حرب فلسطين العام 1948، لتواجه الفنانة الشابة والصاعدة - آنذاك - صدمة قاسية جعلتها تنصرف تماما إلى عملها بعد أن أفاقت من المأساة، التي يعود إليها الكثير والكثير في تشكيل مسار حياة شادية الفني والإنساني، فلولا هذه الصدمة ما كانت شادية غمست نفسها في العمل من أجل أن تنسى، ما أكسبها خبرة ونضجا مبكرين.

وانعكس ذلك أيضا على شخصيتها، التي يقول المقربون منها إنها كانت مختلفة عما يراه الجمهور على الشاشة، فهي هادئة وديعة رزينة، حساسة لكل ما يؤذي الآخرين، رقيقة وناعمة، خيرة إلى أبعد حد، لكنها ليست «دلوعة» إلى الحد الذي كان يظهر أمام الجمهور على الشاشة.

وعلى الرغم من تمثيل شادية أدوار الحب والغرام، فإنها وبعد تلك الصدمة، انصرف تفكيرها عن الحب، وكانت تعيش بكيانها كله لعملها وأسرتها، ولا تعرف شيئا في الدنيا سوى البيت والاستوديو، تتنقل بينهما في حراسة والديها وإخوتها بالتناوب، ولم يشغل قلبها شيء عن نجاحها وسعادة أسرتها إلى أن تسلل حب عماد حمدي إلى قلبها.



أول لقاء

كان أول لقاء بين شادية وعماد حمدي في العام 1946، في فيلم «أزهار وأشواك»، ولم تكن البطولة فيه لـ «شادية»، وإنما غنت بصوتها فقط بدلا عن المطربة اللبنانية أمل شوقي، حيث كانت بطولة الفيلم موزعة بين مديحة يسري ويحيى شاهين وعماد حمدي، وبالطبع فإن شادية لم تلفت نظر فتى الشاشة الوسيم في هذا الفيلم، كما لم يخطر ببالها أيضا أنه سيكون يوما فارس أحلامها، بل زوجها أيضا.

كان عماد حمدي في ذلك الوقت فتى الشاشة الأول، ونجما لامعا مرموقا، بينما كانت هي في بداية الطريق تحاول صعود أولى درجات السلم الغنائي والتمثيلي،

وتمر السنوات، وبعد «6» أعوام كاملة سارت فيها شادية بموهبتها في طريق النجاح، من دون أن تحاول الاستناد إلى أحد، التقت مرة أخرى عماد حمدي في فيلم «أشكي لمين» العام 1951 و«أقوى من الحب» العام 1953.

وفي الفيلمين مثلت شادية مع عماد حمدي أدوار العشق والغرام، وكان فتى الشاشة حمدي في ذلك الوقت - في الثالثة والأربعين من عمره، أي أنه يكبرها بضعف عمرها تقريبا، وكان قد احتفل بالعام السادس لزواجه من الممثلة المسرحية فتحية شريف، التي أنجب منها ابنهما الوحيد «نادر»، الذي كان بلغ في العام 1953 عامه الثالث.

كانت هناك عوامل كثيرة تجمع بين شادية وعماد حمدي، وترشحهما لارتباط قوي، أهمها ذلك التوافق في شخصية كل منهما، فقد كان كلاهما أشبه بشخص غريب عن الوسط السينمائي، فقد كانت أخلاق عماد حمدي كأخلاق الفرسان، يندر وجودها بين الممثلين ونجوم السينما، هادئ، وديع، يتميز بالرزانة والوقار، جاد لا يعرف التهريج، لا يحب الصخب، ويبتعد عنه، لدرجة أنه إذا كان في مكان لا يشعر الحاضرون بوجوده ويتميز بالرجولة والشهامة.

أما شادية فكانت تعيش حياتها بين أسرتها، حياة مستقرة هادئة، لا صخب فيها، لا ترى منها إلا صفات الفتاة المهذبة، تحافظ كثيرا على سمعتها في الوسط الفني، ولا تسير إلا ومعها حارس من أسرتها.

في ذلك الوقت كانت الشائعات ترجح زواج شادية من كمال الشناوي، الذي قدمت معه في بدايتها 12 فيلما في 5 سنوات، وتوقع الجميع أن يتوج هذا التألق الفني بالزواج، لكن شادية وكعادتها دائما تفاجئ من حولها بقرارات مختلفة، نعم ستتزوج، لكن من عماد حمدي، وليس كمال الشناوي.الذي كان في ذلك الوقت زوجا لأخت شادية الكبيرة... عفاف شاكر.



شرارة الحب

وكان لولادة الحب بين شادية وعماد حمدي قصة فريدة، فقد كانا يعملان معا في فيلم «أقوى من الحب»، وكان من بين مشاهد الفيلم ذلك المشهد الذي تجلس فيه شادية تغني على حافة ترعة، أغنية «كسفتيني يا سنارة» وهي تصطاد السمك.

وأثناء اندماجها في الغناء والتصوير انزلقت قدمها، وسقطت في الترعة، فأسرع عماد حمدي وقفز في الترعة بملابسه، وجذبها إلى الشاطئ، ووضع الجاكيت الذي كان يرتديه على جسمها الذي كان يرتجف من شدة البرودة، وأسرع إلى أحد المقاهي القريبة، وأحضر لها كوب «ينسون» ساخنا.

هذه اللمحة الإنسانية، وهذا الاندفاع من عماد حمدي لفتا نظر شادية، وأحست به يتسلل إلى قلبها وعقلها في وقت واحد ، وفي مساء اليوم نفسه اتصل بها هاتفيا ليطئمن عليها، وطلب منها ألا تسرع بمغادرة المنزل والنزول للعمل وهي مريضة وأخبرها بأنه سيلغي سفره إلى بلدته، حتى يكمل تصوير مشاهده في الفيلم لتحصل على اكبر قدر من الراحة، وأحست شادية بشعور غريب نحو عماد حمدي، وبادلها هو الشعور ذاته.

ومع مطلع العام 1953 سير مجلس قيادة ثورة يوليو 1952، «قطار الرحمة»، الذي أطلق عليه بعد ذلك «قطار الحب»، حاملا نجوم السينما والغناء ليطوف أرجاء مصر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، احتفالا بمرور 6 أشهر على قيام الثورة.

والتقت شادية عماد حمدي في القطار المتجه من القاهرة إلى الصعيد، وأمضيا معا 17 يوما ذهابا وإيابا بين القاهرة وأسوان، وكانت هذه فرصة سانحة - لاسيما مع جو الصفاء الذي كان يسود الرحلة - ليفاتح كل منهما الآخر بحقيقة شعوره نحوه، حتى إذا انتهت رحلة قطار الحب كان الحب قد أصبح عقدا رسميا بين شادية وعماد حمدي.

لكن ماذا بعد أن انتهت الرحلة، وتعذر لقاؤهما كل يوم... وانتهت احتفالات الثورة وحفلات التحرير، ولم تكن هناك أفلام جديدة يمثلانها معا؟!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي