الصراع المحموم على حطام الدنيا، والتكالب المسعور على المناصب الزائلة، والافتتان ببريقها الكاذب، والعنصرية النتنة، إنما يردي الإنسان في حماة الشيطان ويسقطه في خفيض الهوان ويعميه عن كل قضية، وينسيه المبادئ والحق والقيم، بل والدين والإيمان، ويحبب إليه كل ظلم وانتقاص من الآخرين، لكي يشبع هواه وغرضه ومرضه بأي وسيلة.
صار المبدأ والقاعدة لدى البعض أنه من اجل إشباع مصالحنا، وشفاء احقادنا، ومسايرة أصحاب النظريات الباطلة، لتحقيق أغراضهم، الاتجار بحقوق البشر والحط من كرامتهم، والمزايدة على الوطنية والولاء وتحطيم كل شيء. ولو جلسنا في النهاية فوق الحطام والركام فأنا أولاً وبعدي الطوفان والخراب والخسران. وفي هذا الهوى المريض خرج علينا أخيراً أعداء الوطن، أهل الضغينة، ببدعة مستهجنة من السواد الأعظم من الناس، وجعلوا أنفسهم أوصياء علينا.
انهم يحاولون أن يفتتوا هذا الوطن إلى فرق وطبقات مختلفة وعنصرية دخيلة على مجتمعنا الذي جبل على العيش المشترك والاحترام المتبادل بين أبنائه، كما إنهم يحاولون الزج بالوطنية والانتماء في سوق التنافس والتكالب غير الشريف على مقاعد هذه الدنيا الفانية، أو على مقاعد وعضوية مجلس الأمة والحكومة. وقبل هذه الفرية والبدعة الرخيصة ظللنا زمناً طويلاً أمام المدفع، وكانت هذه الجموع يُعتمد عليها في الأزمات والمحن، وكانت بالفعل بمثابة الأمان والاستقرار التي يستظل بها من الآخرين الذين يحاولون شق صفوف الناس واتهامهم بخزعبلات بعيدة كل البعد عن الحق، والتاريخ يشهد بذلك.
الجميع يعلمون ويدركون قبل رجال السياسة والتشريع وأصحاب الثروات أن الخدمات الضخمة والمنافع التي يجنيها الوطن من ثمرة عقول وكد وعناء الذين يجابهون بعد الاستجواب الأخير شتى أنواع المزايدات من مهاترات وظلم، وتجنٍ لاحق ببعض فئات المجتمع وإخواننا البدون، وممارسات لا مسؤولة، ودعوة إلى توزيع الناس على أساس المناطقية والشخصانية.
ثمة تناسٍ للجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي والإعلامي وغيرها للمجدين في هذا الوطن، فرصيدهم كبير جداً ولا مجال لمقارنتهم مع غيرهم، فهم قوة جبارة في توجيه السياسات العامة والمجتمع المدني، وهم قطعة من كيان الكويت لا يستطيعون التخلي عنها ولا يمكنها التفريط فيهم، فهي بالنسبة إليهم الأصل والمنبت والمنشأ والجذور، وهي البداية والنهاية أيضاً، وهم أيضاً أصحاب الهمم العالية وهواة الكفاح والكد والنجاح. ولذلك فهم أعز أبناء الكويت إلى قلبها، وهم فخرها ورصيدها وقد أثبتوا دوماً أنهم عند حسن الظن بهم في الإخلاص والبذل والوفاء والعطاء والانتماء.
التطورات الدراماتيكية في المجتمع تعتبر ظاهرة صحية ناتجة من تحول غالبية المجتمع والدخول في جميع المجالات، لأنها أنتجت بعض الصفوة في المجتمع وأصبحت في مراكز علمية واقتصادية وسياسية وإعلامية، وأصبحت مؤثرة في المجتمع ولا يمكن الاستغناء عنها أو تهميشها.
في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الفزعة الجاهلية والمزايدة على غالبية المواطنين، وذلك بازدرائهم والحط من مكانتهم من خلال بعض الندوات وبعض الكتاب. وهذا يُعتبر سابقة خطيرة يجب أن تبتر وتكافح بالطرق القانونية كلها قبل استفحالها وقطع دابر بعض المتصيدين بالماء العكر، لأنهم يهدفون إلى مآرب وأجندات خاصة لتحقيق مكاسب سياسية في الحقبة المقبلة، بعدما حسوا ان البساط بدأ يُسحب من تحت أقدامهم رويداً رويداً. كما بدأ البعض يبث سمومه ضد هذه الصور النظيفة، فشككوا في ولائهم وانتمائهم للوطن، وكأن هؤلاء المدعين الأدعياء هم وحدهم دون الآخرين أبناء الكويت.
مزايدة رخيصة، ومزاعم باطلة، وادعاءات تثير الغثيان والاشمئزاز. كفى مزايدة... ان الولاء والانتماء والتضحية والعطاء ليس بالكلمات أو عقد الندوات ورمي الناس بالأباطيل الزائفة، ومن يحاول التشكيك في ولاء كويتي آخر أو البدون بإيمانهم بالكويت قد يضع نفسه في خانة الأعداء، فالعبرة دائماً هي بالأعمال لا بالأقوال. هدانا الله دوماً سواء السبيل ونزع أحقاد قلوبنا وأمراض أنفسنا.
فيصل فالح السبيعي
محامٍ ومستشار جمعية الصحافيين القانوني