د. عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / احتقار الآخرين ليس عملاً وطنياً

تصغير
تكبير
لو كانت الكويت تملك أعظم جيوش العالم، أو كانت مساحتها الأكبر على الإطلاق، أو كان بها من الآثار والشواهد التاريخية التي تمتد آلاف الأعوام، أو زادت بها براءات الاختراع عن عددها في اليابان والولايات المتحدة الأميركية، لكنت وجدت لبعضهم مبرراً للتفاخر على الآخرين بانتمائهم لهذا الوطن المعطاء، وازدراء غيرهم.

مشكلتنا أننا نأكل ما يزرع غيرنا، ونلبس ما ينسج سوانا، ونركب ما يصنع الآخرون، ونستورد أغلب حاجياتنا من الخارج، بل نستقدم حتى من يربي أطفالنا، ويكنس بيوتنا، ويغسل ملابسنا، ويحلق شعرنا ولحانا، بل وحتى من يدفن موتانا، ونظل نمارس هواية الاستهلاك والدفع المستمر، حتى ننظف جيوبنا شهرياً، شعارنا في ذلك (اصرف ما في الجيب يأتِك ما في الغيب)، حيث اننا نجيد ملاحقة تقليعات الأزياء، وصَرَعات الموضة، وإبداع الماركات العالمية من أوروبية وأميركية في الداخل والخارج، وكأنها الأهم لدينا من أي شيء آخر.

مقابل ذلك كله نجد التفاخر قد وصل لدينا إلى أعلى مستوياته، حتى تجاوزناه إلى احتقار الآخرين وازدرائهم، وتعييرهم بانتمائهم وأصولهم وبيئتهم، وكأننا شعب الله المختار.

تباً للنفط والمال الذي أوصل بعضنا إلى هذا المستوى! أين دور الإعلام الرسمي تجاه تلك الممارسات اللا مسؤولة، أين دور وزارة التربية في غرس قيمة التعايش السلمي، واحترام وتقبل الآخرين كما هم، وعدم احتقارهم؟ لقد وصل الحال لدى بعض الكتاب والصحافيين، ومن يدعي بأنه إعلامي لا يشق له غبار، إلى التنقص من رعايا دول الجوار، وكأن الانتساب إليها أصبح سبة وعاراً، بل تجاوزنا المحيط الإقليمي إلى العالمية.

الفخر والتفاخر بالأوطان لا يكون بالاستعلاء على الآخرين، مهما بلغوا من فقر وعوز وحاجة لأموالنا وبترولنا، ولسنا في حاجة أصلاً أن ننظر بعين التكبر تجاههم، بل علينا أن نتعايش معهم بشكل سلمي، فنحن دولة صغيرة تحيط بنا الأخطار من كل حدب وصوب، وعددنا صغير نسبياً، والمجتمعات الذكية هي التي تستطيع التكامل مع غيرها لا التناطح.

«أنا كويتي أنا»... أغنية لطالما رددناها منذ زمن، وماذا عساها تعني الآن؟ أنا أقول لكم: تعني الفرقة والتشاحن، تعني برلماناً فقد مصداقيته، ويتسابق أعضاؤه لدخول «موسوعة غينيس» في استخدام كلمات الشتيمة والسب والقذف، تعني استخدام المال السياسي لشراء الولاءات والتنظيمات، تعني انتشار فضائيات الردح، وصحف من شتى ألوان الطيف، تعني حكومة عاجزة عن محاسبة المقصرين من قيادييها، وتبحث لهم عن إغراءات مالية تحفزهم للتقاعد، تعني تخلفاً رياضياً وصل إلى مرحلة الموت الإكلينيكي، وأشياء كثيرة لا يتسع المقال لسردها.

أنا كويتي أنا... أنا قول وفعل. أين الفعل؟ أم أننا اكتفينا بالقول.





د. عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي