د. عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / اسمحوا لي فنحن أهل الخرافة

تصغير
تكبير
فرح بعضهم بموضوع الأخطبوط (بول)، وتعلق الناس به وبتنبؤاته، ومتابعة وسائل الإعلام العالمية له، واستثمروا الحدث لنقد الحضارة الغربية، وأنهم يتعلقون بالخرافة رغم تقدمهم العلمي، وما كان ذلك ليتم لولا خواؤهم الفكري والروحي!

اسمحوا لي ابتداء أن أكون قاسياً بعض الشيء مع نفسي أولاً، ومع أصحاب تلك الدعوى ثانياً، ومعك أنت ثالثاً، فالذين كتبوا حمّلوا الموضوع أكثر مما يحتمل، وجعلوا من الغرب مرتعاً خصباً للخرافة، مع أن واقعهم الفعلي ينفي ذلك تماماً، خصوصاً في بيئة مثل جمهورية ألمانيا، فمن زارها وتنقل بين مدنها يعرف صدق ما أقول.

عندما سمعت بموضوع الأخطبوط بول، لم أعتقد أنهم أخذوا الأمر على محمل الجد، بل على سبيل الدعابة والمرح (Just Fun)، فهم أهل البحوث العلمية والميدانية، وهم صانعوا أفضل المكائن في العالم... هم أهل (البي أم دبليو) و(المرسيدس) و(الأودي) وغيرها، وهم مخترعو (سيمينس)، والكثير الكثير من الاختراعات والإبداعات التي خدمت البشرية، وما زلنا نتمتع بما قدموه ويقدمونه لنا من إثراء وإنجازات على كل المستويات، فألمانيا عنوان الجودة، لا ينكر ذلك إلا جاهل أو حاقد.

نحن أهل الخرافة للأسف يا سادة، أقولها بكل حسرة، لأننا تعلقنا وما زلنا نتعلق بالماضي، وانتصاراته وأمجاده، فما زلنا نتذكر إبداعات الخوارزمي في الرياضيات، ومؤلفات ابن النفيس في الطب، واختراعات جابر ابن حيان في الكيمياء، وانجازات ابن الهيثم في البصريات، ونؤكد المرة بعد المرة على أن الحضارة الغربية الحالية ما هي إلا نتاج ما بنوه على حضارة أسلافنا الأولين، الذين أثروا الحضارة البشرية بشتى صنوف المعرفة، طيب وبعدين، ما الفائدة المرجوة من هذا الكلام؟

هو مجرد كلام لا يقدم ولا يؤخر، كلام شعوب تأخرت عن الركب، شعوب تمسكت بخرافة الرجل البطل، شعوب تعلقت بخرافة الرئيس الذي لا يخطئ إلا نادراً، شعوب تجذر في فؤادها ضرورة وجود المخلِّص لينتشلها مما هي فيه من خيبة وانحطاط على كل المستويات.

يقول الدكتور فؤاد زكريا في كتابه «التفكير العلمي» عند حديثه عن عوائق التفكير العلمي: بل إن من الممكن القول، بمعنى معين، أن الحياة الصناعية المخططة الدقيقة هي ذاتها التي تفرض على مجتمعاتها من آن لآخر، اللجوء إلى ألوان من التفكير الخرافي. فانتشار الخرافات في هذه البلاد هو في أساسه (رد فعل) على العلم المتغلغل في صميم كيان المجتمع، ومحاولة التخلص من قبضة تلك العقلانية المحكمة التي تمسك بجميع جوانب حياة الناس.





د. عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي