افتتحه «حزب الله» في الذكرى العاشرة للانسحاب من جنوب لبنان
معلم مليتا... من «ساحة مواجهة» إلى نموذج لـ «السياحة العسكرية»
دشمة الشهيد عباس الموسوي
كتابة بالعبرية على الأرض ليقرأها سائقو الطائرات الحربية
صورة عامة للساحة الخارجية
نفق ما زال مغلقاً أمام المدنيين
الساحة الخارجية... مقبرة الدبابات
... والأسلحة التي تحكي حياة المقاومين في الأدغال
صورة تذكارية على حطام آلية إسرائيلية
| الجنوب اللبناني - من محمد بركات |
على بعد 75 كيلومتراً جنوب بيروت، وعلى واحدة من تلال جبل الريحان في اقليم التفاح، تربض قرية مليتا. هناك، في منطقة كانت عسكرية ومقفلة أمام الأهالي حتى أشهر خلت، افتتح «حزب الله» معلماً سياحياً للمقاومة هو الأول من نوعه منذ انطلاقة المقاومة العسكرية ضد اسرائيل، ويكون قد دخل بذلك ميدان ما يسمى «السياحة العسكرية».
«الراي» زارت مليتا وموقعها السياحي بعد افتتاحه في 21 مايو الفائت في الذكرى العاشرة للانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان وعادت بهذه المشاهدات:
قد يبدو الحديث عن المقاومة والسياحة في وقت واحد غريباً للوهلة الأولى. فالمقاومة، بما هي عمل عسكري لتحرير الأرض والدفاع عنها في وجه الاعتداءات الاسرائيلية، نظام عقيدي وعسكري وأمني وحزبي وأهلي وسياسي كامل، في حين أن السياحة تبدو نقيضاً لهذا النظام، وخصوصاً أنها تنبع من هدوء أمني واستقرار سياسي. ولكن على رأس تلة مليتا، وقبالة موقع سجد الشهير الذي كان يتمركز فيه الاسرائيليون، تندمج المقاومة بالسياحة عبر عرض القدرات القتالية والانجازات العسكرية التي حققها المقاومون.
«مقبرة» دبابات
يستقبلك المعلم السياحي بـ «مقبرة» ضخمة لدبابات اسرائيلية حطّمتها صواريخ المقاومة، وخوذ جنود اسرائيليين سقطوا في المواجهات أو فروا تاركين مخلفاتهم. وفي المقبرة أيضاً مدافع غنمها المقاومون من قوات الاحتلال منذ عملياتهم الأولى قبل 28 عاماً. كل ذلك عرض في طريقة محترفة يعبر عنها ديكور خاص يلفت الزائرين.
نساء ورجال وأطفال يجولون في الساحة الأساسية للموقع وينهمكون في التقاط صور تلك «المعالم» كأنهم يصورون قلعة أثرية عمرها آلاف الأعوام، أو مشهداً طبيعياً خلاباً. أعداد كبيرة من الزوار «يتنزهون» في الأرجاء، واذ باحدهم يقرر أن يأخذ لنفسه صورة قرب مدفع دفن المقاومون رأسه في الأرض، دلالة على هزيمته، أو قرب دبابة مقلوبة على ظهرها، دلالة على تحطيمها مادياً ومعنوياً.
واللافت أيضاً أن ثمة عائلات كاملة قررت تمضية عطلة نهاية الأسبوع في مليتا بهدف مشاهدة المقاومة وما حققته بأم العين، وليس صدفة أن تنتمي غالبيتها الى الطائفة الشيعية، سواء وفدت من الجنوب، أو البقاع، أو بيروت. كذلك، نظمت المدارس والمعاهد في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع، في الأسابيع الأولى لافتتاح المعلم، رحلات للتلاميذ والأساتذة.
يصل الطلاب في حافلات كبيرة، فرحين بالهروب من يوم مدرسي طويل، ثم يتفرّجون على ما كانوا سمعوا عنه في البيت والشارع والمدرسة، ويصدرون تعليقات مثل: «شفتو شو عملوا بالدبابات؟»، و«الله أكبر»، وما شابه ذلك من تعابير الدهشة الممزوجة بالفخر.
في هذا السياق، لا يأتي أبناء بيئة «حزب الله» الى المعلم لاكتشاف جديد لا يعرفونه، بل للتأكد مما يعلمونه بالتواتر عن أنفاق تحت الأرض يخرج منها المقاومون لمقاتلة اسرائيل، وعن قدرة قتالية استثنائية تجلت خصوصاً في حرب يوليو 2006 وجعلت اسرائيل تذوق طعم الهزيمة.
أنفاق سرية
من الساحة الكبيرة يدخل الزوار نفقاً طويلاً كتب أن طوله 650 متراً، وأنه يشكل «منطقة حرجية وعرة تموضع فيها آلاف المجاهدين خلال أعوام الاحتلال وانطلقوا منها لتنفيذ مئات العمليات الجهادية المختلفة ضد مواقع العدو المقابلة، وفي داخل الشريط الأمني المحتل».
يبدأ النفق بين الأشجار، وعلى جانبيه دمى بلاستيكية هي نماذج لمقاومين يطلقون صواريخ، أو يسعفون جرحى، أو يتموضعون في خندق، أو يسيّرون دوريات راجلة، أو يرتاحون ويشربون الشاي. والى يسار هذا النفق الحرجيّ، غرفة صغيرة في العراء كتب أنها كانت دشمة الأمين العام السابق لـ «حزب الله» السيد عباس الموسوي الذي اغتالته اسرائيل بصاروخ مروحية استهدف سيارته. وفي الغرفة المقفلة بالزجاج والممنوع دخولها، سلاحان للأمين العام الراحل، وسجادة صلاته، وبعض الكتب على رأسها القرآن الكريم.
ومع نهاية النفق بين الأشجار يبدأ نفق آخر في الصخر لا يتجاوز عرضه متراً واحداً ومجهّز بنظام خاص للتهوية. يضم المكان عدداً قليلاً من الغرف احداها للقيادة، فيها جهاز كمبيوتر قديم وخرائط وجهاز لاسلكي. وثمة غرفة أخرى للمؤونة، فيها بعض أنواع الخضر، وأخرى كان يجتمع فيها القادة الميدانيون مع المقاومين والاستشهاديين. هنا أيضاً ترتسم الدهشة على الوجوه مع نهاية الجولة، ويسمع المرء عبارات مثل «كيف كانوا يعيشون هنا؟»، و«كيف تحمّلوا العتمة والرطوبة؟»، و«هل كانوا ينامون هنا كثيراً؟» وغيرها.
«المطلّ»
نخرج من النفق لنصل الى باحة تطلّ على قرى اقليم التفاح سمّاها «حزب الله» «المطلّ»، ربما لأنها تشكّل النقطة الأعلى في المنطقة. مقاتلو الحزب كانوا يستخدمونها لقصف موقع سجد وغيره من النقاط العسكرية الاسرائيلية المتحركة والثابتة، وذلك قبل أن تنسحب اسرائيل في ربيع العام 2000.
وقبل أن يغادروا، تتم دعوة الزوار لمشاهدة فيلم عن تاريخ «المقاومة الاسلامية» التي بدأت في العام 1982، مع عملية أحمد قصير، الذي فجر نفسه في مقر الحاكم الاسرائيلي في مدينة صور الجنوبية.
على بعد 75 كيلومتراً جنوب بيروت، وعلى واحدة من تلال جبل الريحان في اقليم التفاح، تربض قرية مليتا. هناك، في منطقة كانت عسكرية ومقفلة أمام الأهالي حتى أشهر خلت، افتتح «حزب الله» معلماً سياحياً للمقاومة هو الأول من نوعه منذ انطلاقة المقاومة العسكرية ضد اسرائيل، ويكون قد دخل بذلك ميدان ما يسمى «السياحة العسكرية».
«الراي» زارت مليتا وموقعها السياحي بعد افتتاحه في 21 مايو الفائت في الذكرى العاشرة للانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان وعادت بهذه المشاهدات:
قد يبدو الحديث عن المقاومة والسياحة في وقت واحد غريباً للوهلة الأولى. فالمقاومة، بما هي عمل عسكري لتحرير الأرض والدفاع عنها في وجه الاعتداءات الاسرائيلية، نظام عقيدي وعسكري وأمني وحزبي وأهلي وسياسي كامل، في حين أن السياحة تبدو نقيضاً لهذا النظام، وخصوصاً أنها تنبع من هدوء أمني واستقرار سياسي. ولكن على رأس تلة مليتا، وقبالة موقع سجد الشهير الذي كان يتمركز فيه الاسرائيليون، تندمج المقاومة بالسياحة عبر عرض القدرات القتالية والانجازات العسكرية التي حققها المقاومون.
«مقبرة» دبابات
يستقبلك المعلم السياحي بـ «مقبرة» ضخمة لدبابات اسرائيلية حطّمتها صواريخ المقاومة، وخوذ جنود اسرائيليين سقطوا في المواجهات أو فروا تاركين مخلفاتهم. وفي المقبرة أيضاً مدافع غنمها المقاومون من قوات الاحتلال منذ عملياتهم الأولى قبل 28 عاماً. كل ذلك عرض في طريقة محترفة يعبر عنها ديكور خاص يلفت الزائرين.
نساء ورجال وأطفال يجولون في الساحة الأساسية للموقع وينهمكون في التقاط صور تلك «المعالم» كأنهم يصورون قلعة أثرية عمرها آلاف الأعوام، أو مشهداً طبيعياً خلاباً. أعداد كبيرة من الزوار «يتنزهون» في الأرجاء، واذ باحدهم يقرر أن يأخذ لنفسه صورة قرب مدفع دفن المقاومون رأسه في الأرض، دلالة على هزيمته، أو قرب دبابة مقلوبة على ظهرها، دلالة على تحطيمها مادياً ومعنوياً.
واللافت أيضاً أن ثمة عائلات كاملة قررت تمضية عطلة نهاية الأسبوع في مليتا بهدف مشاهدة المقاومة وما حققته بأم العين، وليس صدفة أن تنتمي غالبيتها الى الطائفة الشيعية، سواء وفدت من الجنوب، أو البقاع، أو بيروت. كذلك، نظمت المدارس والمعاهد في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع، في الأسابيع الأولى لافتتاح المعلم، رحلات للتلاميذ والأساتذة.
يصل الطلاب في حافلات كبيرة، فرحين بالهروب من يوم مدرسي طويل، ثم يتفرّجون على ما كانوا سمعوا عنه في البيت والشارع والمدرسة، ويصدرون تعليقات مثل: «شفتو شو عملوا بالدبابات؟»، و«الله أكبر»، وما شابه ذلك من تعابير الدهشة الممزوجة بالفخر.
في هذا السياق، لا يأتي أبناء بيئة «حزب الله» الى المعلم لاكتشاف جديد لا يعرفونه، بل للتأكد مما يعلمونه بالتواتر عن أنفاق تحت الأرض يخرج منها المقاومون لمقاتلة اسرائيل، وعن قدرة قتالية استثنائية تجلت خصوصاً في حرب يوليو 2006 وجعلت اسرائيل تذوق طعم الهزيمة.
أنفاق سرية
من الساحة الكبيرة يدخل الزوار نفقاً طويلاً كتب أن طوله 650 متراً، وأنه يشكل «منطقة حرجية وعرة تموضع فيها آلاف المجاهدين خلال أعوام الاحتلال وانطلقوا منها لتنفيذ مئات العمليات الجهادية المختلفة ضد مواقع العدو المقابلة، وفي داخل الشريط الأمني المحتل».
يبدأ النفق بين الأشجار، وعلى جانبيه دمى بلاستيكية هي نماذج لمقاومين يطلقون صواريخ، أو يسعفون جرحى، أو يتموضعون في خندق، أو يسيّرون دوريات راجلة، أو يرتاحون ويشربون الشاي. والى يسار هذا النفق الحرجيّ، غرفة صغيرة في العراء كتب أنها كانت دشمة الأمين العام السابق لـ «حزب الله» السيد عباس الموسوي الذي اغتالته اسرائيل بصاروخ مروحية استهدف سيارته. وفي الغرفة المقفلة بالزجاج والممنوع دخولها، سلاحان للأمين العام الراحل، وسجادة صلاته، وبعض الكتب على رأسها القرآن الكريم.
ومع نهاية النفق بين الأشجار يبدأ نفق آخر في الصخر لا يتجاوز عرضه متراً واحداً ومجهّز بنظام خاص للتهوية. يضم المكان عدداً قليلاً من الغرف احداها للقيادة، فيها جهاز كمبيوتر قديم وخرائط وجهاز لاسلكي. وثمة غرفة أخرى للمؤونة، فيها بعض أنواع الخضر، وأخرى كان يجتمع فيها القادة الميدانيون مع المقاومين والاستشهاديين. هنا أيضاً ترتسم الدهشة على الوجوه مع نهاية الجولة، ويسمع المرء عبارات مثل «كيف كانوا يعيشون هنا؟»، و«كيف تحمّلوا العتمة والرطوبة؟»، و«هل كانوا ينامون هنا كثيراً؟» وغيرها.
«المطلّ»
نخرج من النفق لنصل الى باحة تطلّ على قرى اقليم التفاح سمّاها «حزب الله» «المطلّ»، ربما لأنها تشكّل النقطة الأعلى في المنطقة. مقاتلو الحزب كانوا يستخدمونها لقصف موقع سجد وغيره من النقاط العسكرية الاسرائيلية المتحركة والثابتة، وذلك قبل أن تنسحب اسرائيل في ربيع العام 2000.
وقبل أن يغادروا، تتم دعوة الزوار لمشاهدة فيلم عن تاريخ «المقاومة الاسلامية» التي بدأت في العام 1982، مع عملية أحمد قصير، الذي فجر نفسه في مقر الحاكم الاسرائيلي في مدينة صور الجنوبية.