مجيد الحاج حمود / ثورة المظلومين

تصغير
تكبير
يسود العراق هذه الأيام توتر شديد، يراه البعض رد فعل لنقص الكهرباء في مناخٍ لاهب قاس يجتاح العراق.

الشعب العراقي تحمل أزمات كبيرة وتعرض لظروف قاسية لا يستهان بها بعد (35) سنة عجافا خلال حكم صدام. واستبشر خيراً حين انحسر ذلك الكابوس وصارت تحدوه الآمال في حكم منصف يعيد البسمة إلى وجوه الأيتام والثكالى والعاجزين الذين أرهقتهم الحياة بعد طول معاناة. ولكن، وللأسف، ما لبثت أن تبخرت الآمال وصار المنقذون المفترضون هم المصيبة وهم مصدر الآلام والعذاب الذي يقاسيه الشعب العراقي.

يخطئ منْ يرى أن الانتفاضة التي تسود أغلب محافظات العراق هي بسبب عجز الكهرباء وحده، ذلك أن المواطن صار يعاني من كل جوانب الحياة دون استثناء بسبب فشل الحكومات المتعاقبة كافة، والفساد الذي أصابها، وعدم الكفاءة لأغلب المسؤولين فيها، والرفاه المفرط، والترهل الذي أصاب بعض قياداتها الجائعة إلى الترف والمال الحرام، والتي لم تعد ترى سوى مصالحها وطموحاتها غير المشروعة على حساب المواطن العراقي.

ومما فاقم شعور المواطن بخيبة الأمل والنقمة هي الأزمة السياسية التي تقترب الآن من شهرها الرابع دون ان يلوح ضوء في آخر النفق، حيث يعيش العراق على بدعة جلسة مجلس النواب المفتوحة الى أجل غير مسمى لا يعلم نهايته إلا الله.

ان محاولة البعض ركوب موجة هذه الانتفاضة وتسويقها لغير أهدافها ولخدمة مطامحه السياسية، لا يقلل من عمق مأساة الشعب العراقي ومعاناته في أنحاء الوطن كافة، وفي المجالات كافة وليس نقص الكهرباء فقط. ان محاولة البعض حصرها في محافظات محدودة معينة هو تسييس وتمييع لهموم الشعب في أرجاء الوطن كافة لفرض حلول وهمية قد تصب في غير مصلحة الشعب العراقي ووحدته. إننا نؤكد أن المصيبة والمأساة شاملة وعامة، وظاهرة الاستهانة بمصالح الشعب والتعالي عليها صارت ملازمة لمراحل الحكم كافة بعد عام 2003، منذ حكم بريمر سيئ الصيت وحتى الآن.

ان مسألة الكهرباء هي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إنها نتيجة تراكمات عديدة تكللت بأزمة الكهرباء، فالخدمات كافة شبه معدومة، وخط الفقر يتفاقم، وثراء المسؤولين وترفهم وفسادهم يتزايد. الحلول شبه معدومة. الكل مشغول بالصراع السياسي لتحقيق طموحاته ومصالحه، أما الشعب ومصالح الشعب فقد صارت عبئاً عليهم وفي تناقض مع مصالحهم. وحتى لو أنفرجت أزمة الحكم المستحكمة، فنحن على أبواب محاصصة جديدة يفرزها الحكم الطائفي المقبل الذي أسسه حكم بريمر سيئ الصيت.

لقد سئمنا نظرية البطل الذي يملك وحده الحلول الوطنية السحرية والذي هو أحرص وأعلم بمصالح الشعب من الشعب. مطلوب تفعيل الدستور وتحرك ضمائر السياسيين العراقيين لتشكيل حكومة وطنية حقيقية من كفاءات مشهود لها بالتأريخ السياسي الناصع البياض، متواضعة لا تتعالى على الشعب، مطلوب تفعيل وتشريع عشرات القوانين المغيبة والموضوعة على الرف لمصلحة الطائفية والمحاصصة والفساد... ومن أول هذه القوانين هي قوانين النزاهة. مطلوب معارضة وطنية تنهي حكم المحاصصة والطائفية، وتقوم عثرات السلطة وتحد من سلبياتها وعثراتها ولا تقل عن الحكومة أهمية.

كفى محاصصة... كفى طائفية... كفى تقاسماً للمنافع... كفى فساداً واستهتاراً... فقد طفح الكيل ولم يعد في القوس منزع.





مجيد الحاج حمود

كاتب عراقي مقيم في لندن
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي