عادل حسن دشتي / شقشقة / الدمعة والانتصار

تصغير
تكبير

يرى البعض أنه ومنذ فاجعة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) عام 61 للهجرة استغرق الشيعة في الحزن والبكاء على ما فاتهم من شرف نصرة الإمام الحسين وخذلان الأمة له، وعلى ما أصابه وأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مصائب ومحن، بحيث طبعت تلك المصيبة عليهم طابع الحزن والانكسار، وكيف أن استذكار مصيبة كربلاء قد أصبح مجرد عادة ومناسبة سنوية للحزن واللطم وشق الجيوب.

وهذا القول وإن كان فيه جانب من الصحة المتعلق بالحزن والبكاء على مصاب الإمام الحسين وأهل بيته، إلا أن البكاء بحد ذاته لا يعد هنا منقصة بأي حال من الأحوال، بل هو في أعلى مراتب الشعور الإنساني الرقيق فلا يبكي الإنسان إلا في مواقع تهز مشاعره من الأعماق إما فرحاً وإما حزناً وكمداً، فها هو القرآن الكريم ينقل لنا صوراً رائعة لأولئك الذين تفيض أعينهم من الدمع، مما عرفوا من الحق، وتلك السنة النبوية المطهرة تزخر بالثناء على الباكين من خشية الله، بل إن كتب الحديث والسير تذكر أن المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بكى على ولده إبراهيم حين وفاته، وبكى على الإمام الحسين يوم ولادته حسب بعض الروايات، أفنلام إن بكينا على الحسين يوم استشهاده؟ وها هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين، الناجي الوحيد من أبناء الإمام الحسين من فاجعة كربلاء، اشتهر عبر التاريخ بكثرة سجوده وبكائه حتى عد الإمام السجاد أحد البكائين. ولك أن تطلع على صحيفته السجادية الخالدة لترى رقيق دعائه وعظيم حزنه، فالإمام زين العابدين رأى أباه وإخوته وأهل بيته يذبحون من حوله. وإذا أردنا أن نبحث في التاريخ لأمكننا ملاحظة كيف أن النبي يعقوب (عليه السلام) بكى على فراق ولده النبي يوسف (عليه السلام).

وبخلاف ما ذكرنا فإن هناك الكثير مما يؤكد أن البكاء حالة إنسانية رقيقة، وكذلك فإنها صرخة مدوية تجاه الظالمين والمجرمين على مر العصور والأزمان، وكيف أن الطغاة يرعبهم بكاء الباكين والمظلومين لعلمهم بمظلوميتهم، وأن الله على نصرهم لقدير.

من هنا، فإن الحديث عن شعور محبي الحسين وشيعته بالانكسار حديث مخالف للواقع وللتاريخ، ولن نغوص في التاريخ كثيراً لنؤكد زعمنا، بل إنا سنرجع إلى أعوام قليلة فقط شهدها الكثيرون منا بأنفسهم لنؤكد أن عشاق الحسين والسائرين على طريقه والعارفين بحقيقة ثورته ورسالته لا مجال للانكسار في حركتهم ورؤيتهم لإصلاح الواقع الذي يعيشون فيه، فها هو الإمام الخميني، الذي أسقط عرش الشاه بكل طغيانه وجبروته بثورة شعبية عارمة أطاحت بشرطي الخليج وصاحب أكبر ترسانة عسكرية في المنطقة بعد الكيان الصهيوني، يعلنها فور انتصار الثورة الاسلامية في إيران بأن كل ما لديهم من عاشوراء الإمام الحسين وأن هذا الانتصار ما هو إلا نتاج لطريق خطه الإمام الحسين في مواجهة الطغاة والظالمين. ويمضي على طريق الإمام الحسين الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي تصدى لطاغية العراق صدام المقبور في أوج جبروته وسطوته وفي وقت عز فيه الرجال وعز فيه الناصر والمعين، ولكن السائر على خطى الإمام الحسين يأبى إلا أن يعلنها صرخة مدوية تجاه الطاغية. ولك ان تسمع نداءاته الخالدة بصوته الشريف، وهو يقول: «...وأنا أعلن لكم يا أبنائي بأني صممت على الشهادة ولعل هذا هو آخر ما تسمعونه منّي، وأن أبواب الجنّة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب الله لكم النصر. وما ألذّ الشهادة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها حسنة لا تضر معها سيئة، والشهيد بشهادته يغسل كل ذنوبه مهما بلغت، فعلى كل مسلم في العراق، وعلى كل عراقي في خارج العراق أن يعمل كل ما في وسعه ولو كلّفه ذلك حياته من أجل إدامة الجهاد والنضال لإزالة هذا الكابوس عن صدر العراق الحبيب، وتحريره من العصابة اللاإنسانية وتوفير حكم صالح فذّ شريف طيّب يقوم على أساس الإسلام».

فهل نسمع هنا صوت انكسار أم صوت عزة وإباء وإصرار على الشهادة عظيم، وما هي إلا أيام وتكتب له وأخته المظلومة بنت الهدى الشهادة على يد طاغية العراق، ليلحقا بركب الشهداء، ولتستمر المسيرة وقافلة الشهداء من بعدهم.

وننتقل بعد ذلك إلى لبنان حيث سطر عشاق الحسين في المقاومة الإسلامية أروع البطولات والتضحيات عبر أعوام جهادهم ضد الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، وما الانتصار الذي سطره عشاق الحسين ومعهم كل اللبنانيين الأحرار خلال العدوان الصهيوني الأخير على لبنان إلا دليلاً على ما نقول. وقد التقينا خلال زيارتنا للبنان بأب لشابين شهيدين، وهو يقول اللهم تقبل منا هذا القربان أسوة بما قالته السيدة زينب بنت علي يوم عاشوراء. فهذه الثقافة العاشورائية هي التي صمدت ثلاثة وثلاثين يوماً تجاه العدوان الصهيو - أميركي على لبنان، وهي التي كشفت للعالم بأسره كم هو ضعيف وجبان هذا العدو في مقابل فتية آمنوا بربهم فزادهم الله هدى وعزة ومنعة.

وهكذا يتضح يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة أن السائرين على خطى الإمام الحسين ونهضته لا يعرفون للانكسار طريقاً، ولا يعرفون للذل سبيلاً، ولكنهم في طريق الحق والعزة والانتصار سائرين، لأنه بمثابة خارطة طريق إسلامية أصيلة للمظلومين والمحرومين كلهم في العالم، وأولهم أهلنا في فلسطين. فمن أراد الانتصار فعليه بطريق أبي الأحرار.


عادل حسن دشتي


كاتب كويتي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي