| نادين البدير |
واضح جدا أن هناك أزمة أناقة في العالم العربي، فصناعة الأزياء غير موجودة وإن وجدت تتم في إطار ضيق جداً ومحدود. وحتى وصول بضعة أسماء لمصممين لبنانيين لمرتبة العالمية لا يمكن تعميمه ولا يمكن اعتباره مشاركة عربية حقيقية في تغيير مسار الخطوط العالمية بل امتداد لها، أما منجزات بقية المصممين فليست سوى محاولة لتقليد مصممي أوروبا.
وعلى قدر حب المرأة العربية للملابس وإسرافها في شرائها، إلا أن هناك ندرة في مصممي الأزياء خصوصاً أولئك الذين باستطاعتهم تحويل الموضة وجعل كل حركة يضفونها على الحقيبة أو الحزام أو قصة التنورة نموذجا تتسابق إليه السيدات.
البعض سيقول لو انصلح الشأن العام لتفرغ الناس للأناقة والأزياء والرفاهية والأمور الكمالية. لكن الأزياء والأناقة ليست مجرد رفاهية بل أساس يحمل مؤشرات عديدة فحين نتحدث عن صناعة الأزياء فإننا نتحدث عن انعكاسات سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية. كله يمكنك الحكم عليه من مشهد السيدات في الشارع العام أو من خطوط الموضة السائدة في مجتمع ما.
كوكو شانيل وأعظم المصممين ظهروا في زمن الحروب العالمية، أي زمن التدهور السياسي والاقتصادي والانكسارات المتوالية، لكن الأزياء لم تمت وقتها. وأذكر في أحد البرامج الوثائقية كيف تفجرت الإبداعات وتم إرشاد النساء لحيل عديدة أيام الحرب كرسم خط على طول الساق من الخلف ليبدو وكأن المرأة ترتدي جوارب من النايلون حين توقفت المصانع عن إنتاجها.
مالت أزياء النساء بعد الحروب العالمية للبساطة وقلة التكاليف والابتعاد عن التفاصيل الكثيرة بعكس الوضع قبل الحروب حيث كانت الفساتين تكلف أمتارا وأمتاراً من الأقمشة التي ستعيق لاحقاً حركة النساء اللواتي دخلن المصانع والمعامل وما عاد بإمكانهن الانحسار داخل الكورسيهات الضيقة الخانقة. وقام المصممون يبحثون لها عن شكل عملي مناسب للبزة التي سترتديها، في بدايتها كانت بزتها مشابهة ومطابقة لبزة الرجل، جاكيت وبنطال واسع لأن الأمر تطلب منها أن تكون عملية جدا ولا تظهر أي اهتمام بالنعومة والأنوثة لتثبت أنها جاءت لتعمل كالرجل لا لتتمنظر. لكن مع تطور الأعمال وتمكن المرأة وتعديها لمرحلة إثبات الذات في بيئة العمل صار تصميم البزة يجمع بين العملية والأنوثة، وصار بإمكانها ارتداء الفستان من جديد الذي صار مصمماً بطريقة تلائم بيئة العمل.
الملابس التي نراها على منصات العروض الغربية ليست مجرد أقمشة تحمل طابعا معينا، إنما هي تعبير عن واقع حضاري. نتاج أناقة متوارثة عبر العصور. خلاصة حروب وسلام ونزاعات ومعاهدات واختراعات وفنون وموسيقى.
ولنلق نظرة على الساحة العربية وتتبع المصممين للتغييرات التي تحدث بحياة العربيات.
لنلق نظرة على التغير الفادح في الأزياء بين الأمس واليوم. لمحة سريعة على أفلام الأمس وعلى الحاضرات بين الجماهير في المسارح المصرية الماضية ستكشف الفارق المذهل. اختفت الموديلات الأنيقة، اختفت الألوان الواحدة. والشعر المهندم لم يعد له وجود. البساطة صارت مستحيلة. محل ذلك كله جاءت الألوان الصاخبة المتداخلة. جاء التكلف الزائد في كل القطع. كما سادت موضة الحجاب ذي الألوان والزركشات العديدة البعيدة عن الحشمة، وذلك بفعل الحركات الدينية المنتشرة ورغبة الكثيرات في استخدامه لجذب العرسان. تخبط الأزياء يعكس تخبط الوضع السياسي والاجتماعي... هذا عدا عن ظاهرة التفاخر التي تتبعها أعداد من العربيات حينما يرتدين الحقائب الباهظة والمجوهرات الثمينة في كل الأوقات ومختلف المناسبات لإظهار مستوى الترف الذي يعشنه. خرجت الأزياء عن إطار الأناقة وصارت رمزاً للثراء وطريقة لإعلان الخزينة المالية للمرأة.انعكاس جديد لتردي الحالة الفكرية النسائية.
أرطال الماكياج التي تخفي معالم الوجه لا غنى عنها بين الكاشفات والمحجبات على السواء. أنماط الملابس تبدو وكأنها حسرت بمجموعتين، إما الكاشفة جداً وإما الساترة جداً. بين الكاشفات في بعض العواصم العربية ترتدي الفتيات ملابس غريبة هي أقرب لملابس فتيات الليل في أوروبا، كالحذاء الطويل الذي يمتد لمنتصف الفخذ. هناك فارق حتى عند الغرب بين سفور الفتاة العادية و فتيات الملاهي، أما في بعض المناطق العربية فالخلط بين الاثنين أمر عادي.
انهارت الطبقة المتوسطة وانهار معها كل شيء، كانت الأناقة واحدة من ضحايا الانهيار.
واختفت ملابس سيدة المجتمع الماضية التي تجمع بين الأنوثة والرقي والعصرية والموضة إضافة للسفور بشكله المحترم في آن واحد. تلك كانت أناقة المرأة العربية زمن الإبداع. كانت سافرة وكانت قديرة ولافتة.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]