ممدوح إسماعيل / اغتيال الإنسانية... في «مرمرة»

تصغير
تكبير
لم يكن فجر 31 مايو 2010 «يوماً عادياً» في تاريخ الإنسانية، فقد قامت جحافل الهمج الصهيوني بمهاجمة قافلة المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى غزة، تلك القافلة التي أطلق عليها «أسطول الحرية»، وكان الهدف الأول للهجوم هو السفينة «مرمرة» التركية التي كان على متنها أكثر من 600 راكب من رجال ونساء وشيوخ مسلمين، وأيضاً غير مسلمين من جنسيات متعددة... اتفقوا جميعاً على هدف إنساني نبيل هو فك الحصار عن غزة، وجمعوا كل ما يستطيعون من مساعدات إنسانية لتوصيلها إلى غزة.

ولكن الهمج الصهاينة كانوا لهم بالمرصاد في عرض البحر وفي المياه الدولية، قاموا بغارة وحشية على السفينة مرمرة فقتلوا 19 وجرحوا العشرات وأسروا الباقين، وأعلنوا بكل وقاحة لا للإنسانية التي اجتمعت، ولا للحرية، ونعم للقهر والقتل والوحشية والغدر وإرهاب الآمنين.

وكان لافتاً أن تصريحات قادة الغرب تعبر عن تواطؤ على الوحشية وضرب كل الأعراف والمعايير الإنسانية عرض الحائط، وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة الذي اكتفى بقوله انه مصدوم، والبيت الأبيض يتأسف لوقوع قتلى مدنيين. وهكذا دارت وتمحورت تصريحات قادة الغرب اصحاب شعارات حقوق الإنسان والحرية والعدالة وسيادة القانون... جميع الشعارات تبخرت في الهواء أمام همجية ووحشية الصهاينة، لذلك لم يكن مستغرباًَ أن تنشر صحيفة «الإندبندنت» مقالاً في الأول من يونيو بعنوان «قادة الغرب أجبن من أن يساعدوا على إنقاذ الأرواح» للكاتب البريطاني روبرت فيسك.

وفي فقرة من مقاله يتساءل الكاتب عما يحدث الآن من تواطؤ على حصار غزة، ويشير إلى ما حدث العام 48 قائلاً أن الوضع لم يكن بهذا الشكل في الماضي، مشيراً إلى الجسر الجوي في العام 1948، الذي مده الأميركيون والبريطانيون لسكان برلين، مع العلم بأن الألمان كانوا أعداء ولكنهم كانوا يعانون من الحصار الذي فرضته القوات الروسية على برلين.

وأوضح الكاتب أن الأمر كان في غاية الروعة حينها، فالسياسيون والقادة اتخذوا القرارات لإنقاذ أرواح الضحايا، أما الآن فاختلف الوضع. نعم اختلف الوضع يا فيسك لأنها غزة المسلمة الأبية، وليست برلين والمعتدي هم اليهود الصهاينة، ووراءهم الولايات المتحدة الأميركية تدعمهم بجميع أنواع الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي.

ما حدث جريمة دولية بكل المقاييس تقع تحت بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن منذ متى والصهاينة المحتلون يهتمون بالأمم المتحدة ومجلس الأمن؟ فكم من قرار صدر منهما ملزم ولم تمتثل له دولة الاحتلال! فماذا فعل مجلس الأمن؟ لا شيء مطلقاً، فازدادت دولة الاحتلال في همجيتها وعدوانها، وما حدث في العدوان على غزة ليس ببعيد، قتل مباشر للمدنيين بشتى أنواع الأسلحة أمام مرأى ومسمع العالم كله، ولم يتحرك ما سمي بالمجتمع الدولي إلا بعد ما حقق الصهاينة ما يريدون من خراب وقتل وتدمير.

الحقيقة أن الصهاينة في جريمتهم يوم 31 مايو قاموا باغتيال مدبر ومتعمد للحقوق الإنسانية اعتماداً منهم على أن العرب نائمون وفي ضعفهم مستغرقون، والمجتمع الدولي قراراته حبر على ورق، ولكن فاتهم شيء... ألا وهو تركيا ذلك المارد الإسلامي الذي بدأ يستيقظ مع حكم «حزب العدالة» والطيب أردوغان، صحيح أن دولة الاحتلال تعتمد على أن المؤسسة العسكرية التركية معها، ولكن فاتها أن السياسة أقوى من العسكر في بعض الأحيان، خاصة عندما يلتقي الساسة مع الشعب في مشاعر عقدية والتصدي لعدوان نال من حياة أشخاص ينتمون لجنسهم وعرقهم ودينهم.

ويبقى أن الصهاينة وباعتمادهم على غرورهم وطغيانهم وهمجيتهم، يحرقون كل يوم أرضاً يقف عليها كل خائن يريد أن يبيع حقوق فلسطين والقدس والأقصى بأي ثمن.

وأخيراً... كل التحية للأبطال الذين كانوا على ظهر السفينة مرمرة رجالا ونساء، وكل التحية لأهل الخير الذين قدموا تلك المساعدات لأهلنا في غزة، ولقد أثبت المسلمون، خاصة على ظهر السفينة من الكويت وتركيا ومصر والجزائر وباكستان وفلسطين وغيرها، أننا المسلمون أهل التحضر والحضارة والمدنية والإنسانية، وأننا رغم كل العدوان والدماء وسلب الحقوق والتآمر «الصهيو صليبي» الدولي... صابرون قابضون على مبادئ العدل والإنسانية، أمام عدو لا يعرف الخير ولا الإنسانية ولا الرحمة.



ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي