يبدو بأن موضوع «حملة الحرية» قد نكأ من الجروح في المجتمع الكويتي أكثر مما ساهم في توحيد الصف، فقد تحولت ردات الفعل العفوية لدى أهل الكويت وخوفهم على أبناء وبنات الكويت الذين كانوا على متن السفن وحماسهم لدعم إخوانهم في غزة وتوصيل رسالة للعالم بان محاصرة شعب أعزل في أرضه والتضييق عليه في رزقه ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول إليه هي جريمة تاريخية لا يرضى عنها حتى أقل الناس إنسانية، وساهم في ارتفاع معنويات الشعب الكويتي وردة فعله العفوية وقوف سمو امير البلاد حفظه الله مع ابناء شعبه ودفاعه عن موقفهم الانساني وكذلك جميع الشخصيات الرسمية والشعبية في البلاد.
اقول، لقد تحولت ردات الفعل العفوية بقدرة قادر إلى نقاش عنيف وتبادل اتهامات وجدل يدور في كل ديوانية ومنتدى وعلى صفحات الجرائد والفضائيات وكأنما لم تكفا خلافاتنا الداخلية حول جميع المواضيع بدءا بالرياضة وانتهاء بالتلوث وغلاء الاسعار.
لقد بدأنا نتسلم عشرات المسجات يوميا تتحدث عن مأساة الكويت أيام الاحتلال وموقف الفلسطينيين من ذلك الاحتلال وفرحهم وتأييدهم للمقبور صدام حسين، وتفنن مستخدمو خدمة «البلاك بيري» بارسال مقاطع من الفيديو تصور كلمات لبعض القادة الفلسطينيين الذين ايدوا الغزو ووقفوا مع المحتل، هذا من جانب، ومن جانب آخر كلامي كثير عن نيات من شاركوا في حملة الحرية وبيان بانهم انما يطلبون الشهرة والبروز، وكلام آخر عن أن الهدف من الحملة هو تشتيت الانتباه عن القضايا المهمة للبلد والاستجوابين المقبلين لرئيس مجلس الوزراء.
وهكذا نحن الكويتيين نبحث دائما عن مواضيع ساخنة نشغل بها اوقات فراغنا الكثيرة وجلسات الدواوين وشاي الضحى، ونفرح اذا تمكنا من الحصول على موضوع ساخن نوجه اليه جميع طاقاتنا وجهودنا.
لا أريد ان اتحدث مدافعا او معارضا لوجهات النظر المطروحة او ان ادافع عن موقف المدافعين او المعارضين للحملة ولكني اذكر بعدة أمور:
أولا: هذه الحملة لم تمولها الحكومة من أموالنا ولكنها تطوعية وقام بها من يؤمن بواجبه في نصرة اخوانه المحاصرين، ويجب ان نحترم رأيه مهما خالفناه.
ثانيا: الحملة ليست خاصة بنا في الكويت بل ساهم فيها شعوب كثيرة منهم المسلم وغير المسلم، ومن تضرر منها بالقتل والجرح ليسوا من الكويت.
ثالثا: اتحدى ان يكون أحد قد شق على صدور الكويتيين المساهمين في الحملة ليتبين نياتهم من وراء الحملة، لذا فعيب أن نحملهم مالا يحتملون.
رابعا: لقد كشفت الحملة حقيقة اليهود المعتدين وتحديهم للعالم كله ووحشيتهم ضد كل من يتصدى لهم، وذكرتنا قريبا باعتداء غزة 2008 وقبلها باعتداء بيروت 2006 وسلسلة طويلة من الاعتداءات ضد العرب جميعا وليس الفلسطينيين وحدهم.
خامسا: قضية فلسطين هي قضية إسلامية 100 في المئة وليست خاصة بالفلسطينيين او العرب ولسنا نشك بان هدف الكيان الصهيوني ابعد من حصار أهل غزة، فانظر ماذا فعل بأكبر حليف استراتيجي له وهو تركيا!!
سادسا: نحن لا نبرئ القيادات الفلسطينية في غزة وغيرها من الوقوف مع صدام حسين والتنكر لدور الكويت، لكن العزف على هذا الوتر الحزين في كل مناسبة وفي كل قضية تتعلق بالصراع مع اليهود هو أمر مبالغ فيه وقد يجرفنا عن تدبر واقع امتنا ودورنا المطلوب.
لا... للحملة الثانية
في تصوري بان حملة سفن الحرية قد أدت دورها وأوصلت الرسالة إلى العالم، وليس هنالك اي مبرر لحشد حملات اخرى في الوقت الحالي لا سيما وقد تبين بان الكيان الصهيوني مستعد لاستخدام القوة لمنعها وحتى لا تدخل من باب (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فليس من العقل ولا من الدين ان يجازف الانسان بحياته اذا كان يعلم بان عدوه عازم على قتله وهو لا يملك القوة لحماية نفسه.
د. وائل الحساوي
[email protected]