رؤى / أي كتاب في الكتاب؟

تصغير
تكبير
| عبد الغني فوزي |

لا أحد ينكر ويتنكر اليوم للمد الإبداعي المتسارع الوتيرة في النشر في جل أشكال الكتابة الأدبية من شعر وقصة ورواية... وهي ظاهرة محمودة، بإمكانها كسر لمة الأسماء التي ظلت تهندس المشهد وتتكلم باسمه. فغدا الكتاب في كل مكان، والكتابة فاضت عن ذاك المجرى المحروس بالطقوس والهالات والذي لا يدخله إلا الراسخون... وفي المقابل يحيلك هذا على الاختلالات التي ظلت تتراكم دون ضوابط؛ في انتظار عودة التاريخ من زمنه المثقل بالأدلجة والفم الواحد. التاريخ الذي يسوق كل شيء على اختلافه ويعيد المتناقضات لامعة في الأفق الإنساني.

في هذا السياق المشحون ، هناك كتب وكتب بعضها يأتيك كطريقة في الاشتغال وإقامة خاصة في اللغة ؛ فضلا عن حس رؤيوي وليد تجربة ومقروء. مع هذا النوع من الكتب، يمكن أن يكون الكتاب متمنعا عن كل كتابة خلفية حوله. وبالتالي قد تقرأه وتعود إليه إلى أن تنبسط العقدة ويجري الماء. والبعض الآخر يجعلك تلعن نفسك وهذه الكتابة كونها تستسهل العملية الإبداعية، وتجعل اللغة كأداة تصوير تنقل المشاهد بشكل بارد وتسجيلي؛ كأن هذا الواقع بلا حرارة ولا تعقيدات... ونحن في هذا المقام نحتاج إلى جرعات زائدة لإدارة الرحى وقول الأشياء كما هي؛ لتحميل المسؤوليات والانتساب لهذا الشأن الذي لا تجري به الركبان؛ بل في حاجة دائمة إلى الاشتغال والجهد لخلق تلك الإضافات واللحظات الجمالية والرؤيوية. بهذا أتصور- ولا ألزم أحدا بذلك- الكتاب كمشتل واشتغال كزاوية في النظر من خلال التخييل أو القول النقدي نفسه الذي يصلب شرايين النص ويقولبه كمعادلات وخطاطات جامدة ؛ كأن الأمر يتعلق بهياكل وظواهر لا حياة ولا نفس فيها.

من هنا لا أستسيغ تجميع نصوص ضمن دفتي كتاب دون مشترك، دون خصوصية، دون هندسة في النوع. فهذا الأخير له تقطيعه ونفسه وخصوصيته . والعبور كتابة بشكل سريع بين الأنواع ليس بالأمر الاعتيادي على غرار نوابنا ومتحزبينا الذين يتلونون ويبدلون الأردية في القطار ومحطاته . هنا طبعا أحترم المبدع الذي يكون في القصيدة شاعرا، وفي القصة قاصا، وفي الرواية روائيا. أستحضر هنا كلاما عميقا للقاص والروائي إلياس فركوح في رده على محاوره: «باختصار، القصة القصيرة ليست جسر عبور نحو الرواية، ليست شأنا سهلا بالمقارنة مع الرواية ليجوز وصفها «تسخينا واستعدادا» لدخول المعترك الأصعب. لكل جنس كتابي صعوبته وحساسيته ومآزقه، مثلما له جماليته وسلاسته ومخرجاته الخاصة، كما أن لكل كاتب حالاته التي تملي عليه الكتابة في جنس معين، مثلما أن لكل حالة جنسها الذي تتطلبه دون سواه». وعليه، فإذا انقلب الأمر بفعل تعدد الحواس والخبط دون رؤيا، سقط سقف الأدب.لهذا كان الكتاب الأصيليون يسعون لقول ذواتهم في اشتباكها من داخل النوع الذي يكتبون ضمنه، فيحولونه إلى سلم طويل يخطون في هوائه كرهانات واختيارات جمالية وفكرية متجددة، تبعا لتفاعلهم وحرقتهم المتجددة في علاقتهم بهذا الآخر ضمن سياق المرحلة المركب.

شكرا للنص الذي يستفزني ويجعلني أتجدد باستمرار في بركة كالكتاب. إذا ثبت أن هذا الأخير طريقة ورؤيا. وعليه فالبعض يدفع بالإضافات المسنودة الساق الذي لا ينام في الساحة ؛ والآخر يراكم الأغلفة ويتشبث بها كأرصدة تسمن وتغني في سوق الأدب أو هكذا يدبر بمنطق المؤسسات والأشخاص الآتين من قولبة الواقع والمجتمع.



* شاعر وكاتب من المغرب
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي