د. عبداللطيف محمد الصريخ / زاوية مستقيمة / القيادة لدينا متخلفة

تصغير
تكبير
ليست المرة الأولى التي أزور فيها بلداً أوروبياً، ولكنها المرة الأولى التي أقود فيها السيارة هناك، حيث كانت جولة رائعة مع مجموعة من الزملاء، ابتدأت وانتهت من فراكفورت، طلقنا فيها هموم الحياة ومشاكل العمل ثلاث طلقات بائنات بينونة كبرى، أو هكذا كنا نظن، لولا تكنولوجيا الاتصالات التي تجعل البعيد قريباً، والقريب بعيداً.

قيادة السيارة في البلاد الأوروبية الأكثر تحضراً عدا بريطانيا، التي تكون فيها عجلة القيادة إلى جانب اليمين، فيها متعة ومخاطرة وحسرة في آن واحد!

المتعة في القيادة هناك أنك تتعلم أسلوباً جديداً في القيادة يحترم الانسان بالدرجة الأولى، فيه ثقة وتعاون، والتزام بالخطوط الأرضية، وانضباط بالسرعات المقررة حسب نوع أو حالة الطريق أو الجو، وبشكل مذهل، توقف تام عند خطوط المشاة احتراماً وتقديراً لهم ولراكبي الدراجات بل حتى للحيوانات، لا أحد ينتقل من مسار إلى آخر دون إشارة، بل حتى راكبي الدراجات الهوائية يستخدمون أيديهم لذات الغرض، فإذا أعطيت إشارة للانتقال من حارة إلى أخرى يسمح لك الآخر دون تردد، الله يخلف علينا بس.

المخاطرة أتت من ثقافتي في القيادة التي تختلف إلى حد كبير عن مستخدمي الطريق من قائدي المركبات والدراجات النارية والهوائية والمشاة، اسمحوا لي وبصراحة أن أقول بأن درجة تحضر أي شعب يمكنك أن تراها وتتعرف عليها ببساطة في أسلوب استخدامهم للطريق، وقد وجدت ذلك منذ قيادتي أول مائتي كيلو متر، عندما أتت سيارة إسعاف من بعيد فأُفسِحَ لها الطريق بسرعة مذهلة، والغريب أنه لم يتبعها أحد كما يفعل بعضهم لدينا!

أما الحسرة فهي من عدم تطبيق قوانين المرور لدينا بشكل صارم، فإشارات السرعة (وإشارات المرور) للفرجة والديكور، واللوحات الإلكترونية العملاقة التي تم تركيبها منذ عامين تقريباً تستخدم أيام أسبوع المرور الخليجي فقط، أما ثقافتنا كشعب في الالتزام بالخطوط الأرضية فحدث ولا حرج، فلقد احتجت فترة حتى أعتاد على طريقتهم في القيادة.

ولذا فإني أنصح المقبلين على السفر إلى أوروبا، عدا بريطانيا بالطبع، إلى اعتماد التنقل بالسيارة، والاتكال بعد الله على العم (ماجلان أو تمتم)، فالأمر جد يسير، فهما سيقومان بالواجب وأكثر، كل ما عليك هو تحديد وجهتك، ومراجعة ما تعلمته من إشارات مرورية ودلالات الخطوط الأرضية، التي نسيتها بالتقادم.

أنها ببساطة ثقافة (القيادة المتخلفة) التي يمكنني اختصارها بكلمة الأنانية، حينما يعتقد المرء أنه الوحيد في الطريق، فلا يهتم بغيره، ولا يحترم الآخرين، قاتل الله التخلف، وأراحنا من الأنانية والأنانيين.



د. عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

alsuraikh@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي