ممدوح إسماعيل / المؤامرة الصهيونية على نهر النيل

تصغير
تكبير
«مصر هبة النيل» هكذا يردد المصريون منذ آلاف الأعوام، وهكذا اعتقدوا أنهم يملكون النيل، وتفاخروا بين الشعوب بذلك، ولم يطرأ على فكر مصري في يوم من الأيام أن ماء النيل من الممكن أن يقل، أو أن ينعدم، أو تحدث في يوم مشكلة وأزمة بسببه.

ولكن جاء شهر أبريل الماضي بنذر شر وأزمة للمصريين أفاق بعضهم عليها عندما وجدوا وزير خارجية بوروندي في اجتماع لوزراء الري في مصر يحتج على نصيب المحروسة من ماء النيل، ويهدد ويتوعد بل وينصرف مغادراً الاجتماع.

وهنا أدرك البعض أن الأزمة المقبلة، وسرح البعض بخياله، وقال في نفسه: معقول وزير خارجية بورندي يهدد في مصر... هل كان يتخيل ذلك أحمس، أو تحتمس، وقد كانا يعتقدان أن للنيل قدسية معجونة بقدسيتهم الفرعونية الزائفة، وهل كان أحد من حكام مصر على مدار التاريخ يتخيل ذلك، ولو عاش عبدالناصر، الذي سخر إمكانيات مصر لدعم حركات التحرر الأفريقي، ماذا كان يقول لوزير خارجية بوروندي؟

المهم أن الأزمة استفحلت ووصلت الأزمة إلى اجتماع كل من إثيوبيا، رواندا، تانزانيا، أوغندا، بوروندي، كينيا، والكونغو الديموقراطية، في 15 مايو الماضي ليعلنوا توقيع اتفاقية توزيع جديدة لماء النيل، دون حضور مصر والسودان دولتي مصب النهر اللتين رفضتا الاتفاقية، وأعلنتا أنها لا تلزمهما مطلقاً، وأدرك كثير من المصريين وجود خطر حقيقي حول النهر الذي كما يجري على أرضهم فهو يجري أيضاً في أجسادهم، وركن متجذر في حياتهم، عليه قامت حضاراتهم وحياتهم الزراعية والصناعية، واستراتيجيتهم العسكرية، وعاداتهم وتقاليدهم، وتفاخرهم بين الشعوب.

وسبب الأزمة، كما يقول مشعلوها، الاعتراض على اتفاقية العام 1929، ففي مايو 1929 تبادل رئيس وزراء مصر مذكرتين مع المندوب السامي البريطاني «وقت احتلال مصر» الذي وقع نيابة عن الإدارة الاستعمارية البريطانية الحاكمة في كينيا وأوغندا وتنجانيقا «تنزانيا حالياً»، وفي هذه الاتفاقية إقرار قانوني بحصة مصر المكتسبة من المياه، وأن لمصر نصيباً عادلاً من كل زيادة تطرأ على موارد النهر في حال إنشاء مشروعات جديدة على النهر وروافده، وأن حصة مصر تحددت بـ 48 مليار متر مكعب وحصة السودان بـ 4 مليارات متر مكعب سنوياً.

الأحداث تقول ان إثيوبيا هي التي تقود الأزمة المفتعلة، فقد أعلنت رفض الاتفاقية منذ عقود ولكنها لم تتحرك مثل هذا التحرك الرافض الأخير بتوقيع «اتفاقية 15 مايو»، والذي وصل إلى حد أنها تعتزم بناء 70 سداً على روافد النيل عندها، رغم أن إثيوبيا تعتمد في زراعتها على مياه الأمطار الوفيرة جداً، ولا تعتمد على النهر، كما هي الحال في مصر التي لا تسقط عليها الأمطار إلا نادراً.

الحقيقة تقول بكل وضوح أن ما يحدث وراءه مؤامرة واضح فيها اليد الصهيونية، وقد نشرت صحيفة «الوفد» المصرية وثيقة إسرائيلية تطالب بتدويل النزاع بين مصر والسودان وباقي دول حوض النيل. أعد الوثيقة سفير إسرائيل السابق في مصر تسيفي مزائيل، وتتضمن دراسة خطيرة تحمل المزاعم الإسرائيلية حول احتكار مصر لمياه النيل وحقوق دول المنابع المهدرة بسبب المواقف المصرية.

اتهم مزائيل مصر بتجاهل المطالب الشرعية لدول المنابع، ومن المعلوم العلاقة القوية التي تربط إثيوبيا بدولة الاحتلال الصهيونية التي وصلت إلى تعاون عسكري وزراعي وصناعي منذ عقود، ولا يفوتنا تهجير إثيوبيا لآلاف من يهود الفلاشا الإثيوبيين لدولة الاحتلال الصهيوني.

ورغم اتفاقيات السلام الزائفة إلا أن الصهاينة لا يفترون عن عدواتهم أبداً للعرب والمسلمين، وهم يعانون من أزمة مياه، وقد طلب الصهاينة كميات من ماء النيل عقب توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» المشؤومة مع مصر. ولا يزال علَمهم حتى الآن مرسوماً عليه خطان يمثلان نهر النيل والفرات لم يتغير هذا رغم احتلال العراق وتوقيع اتفاقية سلام مع مصر.

الواقع يقول ان الأزمة مفتعلة فمجموع تلك الدول بعدد سكانها لا يصل إلى عدد سكان مصر الذي وصل إلى 85 مليونا وبالتالي احتياجاتهم من الماء كبيرة جداً على عكس تلك الدول التي لا تحتاج إلى الماء بقدر مصر بخلاف أنها دول مطيرة، لذلك فإن المعارضة المصرية تتهم الحكومة بعدم الجدية والتراخي في مواجهة هذه الأزمة، حيث ظهرت بوادرها منذ أعوام ولم تقم الحكومة بواجبها في احتوائها بالعمل على تعزيز الوجود المصري في تلك الدول من خلال المشروعات والتواصل السياسي والديبلوماسي ما كان كفيلاً بها بمنع المؤامرة التي يغذيها من يدفع لهم.

لقد طرح لحل تلك الأزمة المفتعلة صفقة النفط مقابل الماء، وقد أعلنت مصر على لسان أكبر مسؤوليها أن نهر النيل مسألة حياة أو موت، ما جعل البعض يطرح فكرة الحرب.. وهو طرح غير مستبعد إذا وصلت المؤامرة إلى حد الخطورة. غير أن هناك ما زالت وسائل عديدة منها التحرك سياسيا وديبلوماسيا ثم الحل القانوني.

ويبقى أن الحرب العسكرية قد توقفت مع الصهاينة بنصر أكتوبر العاشر من رمضان، ثم «اتفاقية كامب ديفيد» المشؤومة، ولكن الآن أعلنت حرب المياه على مصر وهي أخطر من الحرب العسكرية، لأنها تمس حياة 85 مليون مصري.

وأخيراً، ورغم خطورة الموضوع فإن خفة الدم المصرية المعتادة لم تفوت الفرصة فقيل أن السبب وراء ما حدث هو الحسد، لأننا نشرب من الحنفيات وشعوب كثيرة في العالم تشرب من الزجاجات، والبعض يقول كنا نقول من شرب من ماء النيل لابد أن يرجع تاني لمصر، ويبدو أنهم أرادوا منع ماء النيل حتى لا يرجع أحد لمصر. وآخرون يقولون ان السبب انتشار المعاصي وظلم الناس بعضهم لبعض فهذا يمحق البركة ويمنع الخير، ونهر النيل بركة وخير.



ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي