مسكينة أم الهيمان، فهي كأم اليتامى، الذين فقدوا عائلهم الوحيد الذي يحميهم من صروف الزمان ونوائب الدهر، فلا بأس أن يعيش أهلها في بيئة مشبعة بالسموم والفضاء الملوث ليل نهار، دون حسيب ولا رقيب.
لو كانت أم الهيمان مدينة سويسرية مثلاً، لوجدت الحكومة تحمي أهلها من ضوضاء الطرق السريعة، أي والله، أي أن حكومتهم تخاف على شعبها من التلوث الضوضائي، وتتحسس آذانهم أن يصيبها الصمم، أما جماعتنا فلا ضير حتى لو أدى التلوث إلى المزيد من الأمراض، ففي حين يحمي الآخرون الحيوانات من التلوث، نجد المسؤولين لدينا لا يأبهون بحماية البشر من التسمم والتلوث.
أما مصانعهم، وأقصد الجماعة في ألمانيا وفرنسا وسويسرا، حيث أقضي إجازتي هذه الأيام، فلا تسمم الأجواء، والدخان الذي يخرج منها نظيف تماماً كما السحاب في الأجواء، أبيض من القطن، وأنظف من قلوب البعض، الله يخلف على أم الهيمان وعيالها.
آآخ يا وطن، المشكلة أنهم يعلمون مدى التردي الذي وصلنا إليه، من استهانة بالإنسان كأهم مقوم من مقومات التنمية، ومع ذلك يساوم نواب الغفلة على مواقف سياسية، والمقابل حياة أطفال أعياهم ما يستنشقونه يومياً من ملوثات عجزت الدولة عن إلزامها وإجبارها على الالتزام بالمواصفات العالمية لمداخنها التي تنفث السموم يومياً.
لذا فإني أقترح على الحكومة الكويتية إرسال أهالي أم الهيمان جميعاً على حسابها الخاص، ليقضوا عدداً من الأعوام في ربوع قرية (Beatenberg)، بقدر الأعوام التي قضوها وهم يستنشقون الهواء الملوث، وأتمنى أن يقوم أحد نواب الدائرة الخامسة، بل نواب كل الدوائر الخمس، بتبني هذا الاقتراح الذي يمكن أن يكفر عن أخطاء الحكومة، ونواب الأمة الذين يتاجرون، ومازالوا يتاجرون بهذه القضية، ويرفعون أصواتهم
ويهددون بالاستجواب، ثم يتراجعون ويفاوضون، وكأن الانسان أصبح سلعة تباع وتشترى، ولا حول ولا حول إلا بالله.
عموماً... عظم الله أجرنا وأجركم، فنحن في عداد الأموات بالمقارنة مع أهالي إنترلاكن، وأهالي قرية بيتنبيرغ، التي قررنا أن نلغي خط الرحلة من أجل المكوث فيها لأطول فترة ممكنة، حتى نعوض الهواء الذي استنشقناه وسوف نستنشقه عند عودتنا الكويت، فأحسن الله عزاءكم، وغفر لميتكم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
[email protected]