حسين الراوي / أبعاد السطور / لا يعرف الجرح

تصغير
تكبير
عند أوطان العالم المتقدمة وعند قارات العالم المتقدمة

وعند شعوب العالم المتقدمة وعند كل المنظمات والهيئات العالمية

وعند كل المستشفيات والجامعات والمختبرات والدراسات والبحوث العلمية

يكون الإنسان هو محط الاهتمام والتقدير والاحترام والخوف

إلا في وطني!

فإن كل التقدير والاهتمام والاحترام يُصرف للمصانع وأصحابها وأبخرتها ونفاياتها!

(أُم الهيمان) أصبحت أُم الوجعان

والمهتمون في البيئة الكويتية يُصرون بكل إخلاص وتفان

على جمع العُلب الفارغة والقراطيس ومخلفات المتنزهين

من الشاطئ والصحراء والحدائق والشوارع المهمة

وكأن الثروة الحقيقة لهذه البلاد هي القواطي والقراطيس!

وتركوا (أم الوجعان) تجر أنينها كالأجرب الذي رحلوا عنه وتركوه وحيداً!

أطفال (أم الوجعان) تركوا مدارسهم لمدة يومين

فلامهم من لا يعرف قسوة جرحهم!

أمراض وأوبئة ودخان وروائح كريهة وحشرات منتشرة ودموع ومأساة

والأخوة العباقرة غارقون في التخطيط والصرف على هلا فبراير

وعلى مسلسلات رمضان وعلى دوري كرة القدم وعلى تلحين الأوبريتات الغنائية

وتسليف الدول شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بكل ما تجود به أياديهم السخية!

أهالي (أم الوجعان) أيها العظماء الكادحون المحتارون اليائسون المحزونون

أمامكم خياران لا ثالث لهما

الأول إما أن تخيطوا منطاداً واسعاً يحتويكم جميعاً

فتركبونه وتهاجرون هجرة جماعية إلى زحل أو عطارد أو أورانوس

والخيار الثاني هو أن تصطفوا طابوراً واحداً تلو الآخر

فتتجهون للبحر وترمون أنفسكم فيه بكل روعة وهدوء وسلام

وفي كلتا الحالتين اطمئنوا وقروا عيناً

فلن يفتقدكم أو يسأل عنكم أي مسؤول في هذه الوطن

وإن لم تقترفوا أحد الخيارين المطروحين

فلن تزداد أوضاعكم إلا بهدلة في بهدلة

ولن يلتفت إليكم إلا من يلومكم ويلوم أطفالكم

على اعتصامكم واحتجاجكم واعتراضكم

لأنه بعيد عنكم سكناً ولم يعش مُرّ الواقع في (أم الوجعان)

ولأن طموحاته واهتماماته بعيده عن اهتماماتكم وطموحاتكم

ولأنه ينام ملء جفونه في آناء الليل وأطراف النهار

ولأنه لا يعرف الجرح إلا من به ألم!





حسين الراوي

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي