فهيد البصيري / رسالة إلى اللص المحترم

تصغير
تكبير
قبل أيام قام أحد اللصوص المحترمين، يجب أن يكون النقد بناء، بسرقة اسطبلي ولم يجد اللص شيئاً يستحق السرقة، فسلم أمره لله وسرق (بطل الغاز) ويبدو أنه أخذه خوفاً من قانون الخصخصة، وجهاز (التلفزيون) وقد يكون أخذه رحمة بنا من متابعة قناة (كابوس)، لم ابلغ الشرطة ولا أدري لماذا نسيتهم رغم أنهم موجودون بكثرة هذه الأيام في الجرائد والتلفزيون، ولم يدر ببالي أن أبلغ أحداً من الجيران الذين فشل اللص في سرقتهم، على أمل أن يعيد اللص المحاولة، فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، ويجب أن نحترم التخصص في اللصوصية فلكل مهنة أهلها وناسها الذين قضوا حياتهم في تعلمها وطلب العلى فيها، لذلك أرى أن تشملها خطة التنمية، فهي من تراثنا الأصيل، والتراث العربي والعالمي مليء باللصوصية الشريفة، كالشاطر حسن والأربعين حرامي، والصعاليك، و(روبن هود) الذي يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء وغيرهم كثيرون، وأرجو أن يعذرني بقية اللصوص الأفاضل الذين نسيت أن أذكرهم.

لم أضيع الوقت بعد اكتشاف السرقة، وفتحت مباشرة محضر التحقيق مع حارس الاسطبل الذي يجيد اللغة النيبالية فقط وهي اللغة السائدة في جبال (الهيمالايا) وعندي في الاسطبل، ولكني أقفلت المحضر لأن الإجابات كانت واحدة، فقد أجاب عن جميع الأسئلة بكلمة (بو)، وأخذت أصرخ في وجهه: أكمل (أبو من؟). ولكنه لم يزد على هذين الحرفين رغم أن صراخي يحيي الضمائر الميتة، وبالتأكيد لهذه الكلمة معنى خطير، ولكني لم أستطع تفسيرها فأحضرت له معلم لغة عربية وسأعيد فتح التحقيق معه بعد أن يجيدها بإذن الله، وإلى أن يحين ذلك واصلت التحريات، ومن التحريات الأولية عرفت أن لصي (الفضل في اكتشافه يعود لي) لص واقعي عندما سرق التلفزيون، ولو كنت مكانه لسرقته فهو (بلازما 47 بوصة) حرصت على كبر شاشته لمشاهدة ما يحدث في الكويت بالتفصيل.

استرجعت كل خبراتي الشرطية والجيولوجية والسيكولوجية، ورحت أبحث عن آثار الجريمة، ووجدتها، كان اللص يلبس حذاء من النوع الخفيف الذي يستخدمه العمال، لم أتوقف عند ذوق اللص في الحذاء فنوع الحذاء من (لزوم الشغل)، فشلت في تحديد نوع الحذاء العمالي لأن في الكويت مليون عامل! واصلت متابعا أثر الأقدام حتى انتهيت إلى آثار عجلة سيارة إطاراتها مسحوقة فعرفت أن اللص من الطبقة المسحوقة، سرت خلف أثر السيارة وفقدته عندما ركبت السيارة في الشارع (المزفت)، ضاع الأثر فعلمت أن سبب تسجيل الجرائم ضد مجهول هو وزارة الأشغال.

كانت آثار أقدام اللص واضحة في الرمل مما يعني أنه كان ثقيلاً وبخبراتي المتراكمة عرفت أنه حامل! فلا يمكن أن يكون سميناً فمهنة اللصوصية تحتاج إلى لياقة بدنية عالية قد تضطر اللص لسرقة ناد صحي. كانت خطوط الحذاء أشبه بالخط الكوفي وكان دليلاً لا يقبل الشك بأن السارق قد يكون عراقيا.

لقد ترك اللص كل شيء ولم يأخذ سوى (بطل الغاز والتلفزيون)، ما يعني أنه لص منهجي وقد أدخل ذلك البهجة في نفسي فأنا أتعامل مع لص مفكر لا يشبه لصوص هذه الأيام الذين ما ان يرتكبوا سرقتهم حتى يسلموا أنفسهم للشرطة، أو يتوبوا (غفر الله لهم)، كبر اللص في عيني ودعيت له بالتوفيق، وأن يفتح الله له الأبواب المغلقة ويجعل له في كل بيت سرقة، وفي كل شارع محفظة.

وبعد أن باءت محاولاتي للوصول إلى اللص بالفشل، حاولت أن أجد تفسيراً للعلاقة بين (بطل الغاز والتلفزيون) فلم أجد تفسيرا لذلك إلا أنه ينوي السيطرة على النفط والإعلام، فكرت في نشر إعلان للص لأشرح له أنه سرق الاسطبل الخطأ، وأن جيراننا لديهم من كل ما خف حمله وغلا ثمنه، وانني على استعداد لتزويده بمواعيد خروجهم، وأردت أن أبشره بأن الدنيا ما زالت بخير والناس عندها خير وأن الداخلية كل عام وهم بخير، ولكنني عدلت عن فكرة الإعلان ما دامت هذه المقالة تفي بالغرض.



فهيد البصيري

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي