عبدالعزيز صباح الفضلي / أين تخفي الإبرة؟

تصغير
تكبير
عندما عرض الله تعالى حمل الأمانة على السماوات والأرض والجبال خافت تلك الكائنات من مسؤوليتها وأشفقت من حملها ثم اعتذرت لربها لعلمها بضعفها وعجزها، ولأن الإنسان لا يدرك عواقب الأمور ظن في نفسه القدرة على حملها فأعلن موافقته، ليدل بذلك على جهله وظلمه ولهذا قال تعالى «وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً» الأحزاب.

إن من أعظم الأمانات التي فتن كثير من الناس فيها ولم يتمكنوا من رعايتها، وأدت ببعضهم إلى تضييعها وخيانة مسؤوليتها، أمانة الأموال وحفظها. فبنظرة إلى الواقع فإنك تسمع بين فترة وأخرى عن أحد المسؤولين، أو الموظفين، أو العاملين وقد أدين في قضية رشوة أو اختلاس، أو خيانة أمانة، أو أخذ عمولات غير مشروعة، مما يعلن عنه في وسائل الإعلام. وترى ذلك الغادر يضع لنفسه ألف عذر ليبرر به خيانته، فمرة يعتبر ذلك هدية، وثانية يسميها أتعابا، وأخرى يعدها أجورا إضافية، ورابعة يتحجج بأن معظم الناس يفعل مثل ذلك.

إن مثل هذه التجاوزات على الأموال ليست بالأمر الجديد على البشرية فهي معروفة منذ عهد الأنبياء، فلقد ورد في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على جمع الصدقات، فأتى ذلك العامل وبدأ يقسم المال الذي عنده ويقول هذا لكم وهذا أهدي إليّ، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام «أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا»؟

كم من الأفراد كان قبل توليه للمنصب يعيش على الأقساط ويطارده الدائنون، وربما عليه قضايا شيكات من دون رصيد، لكن الحال تبدلت وتغيرت وبسرعة بعد توليه تلك المسؤولية وليقول بملء فمه للفقر قد طلقتك ثلاثاً.

إن للمال بريقاً يخطف الأبصار ويذهب العقول والألباب، ومتى تجرأ المرء على جمعه من غير حلاله، فليدرك ساعتها أنه إنما أورد نفسه المهالك.

بعد فتح خيبر مات رجل من المسلمين فرفض النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي عليه وقال «صلوا على صاحبكم»، فأنكر الناس ذلك وتغيرت وجوههم على رسول الله، فلما رأى منهم ذلك قال «إن صاحبكم غل في سبيل الله». أي أخذ شيئاً من الغنائم. فلما بحثوا في متاعه وجدوه قد أخذ خرزات من خرز يهود لا تساوي درهمين! بل إن الصحابة بدأوا في النظر في قتلاهم يوم خيبر فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد، حتى مروا برجل فقالوا فلان شهيد، فقال صلى الله عليه وسلم «كلا إني رأيته في النار في بُردة غلها أو عباءة».

كم هي حقيرة هذه الدنيا حتى تتسبب في حرمان الإنسان من رضوان الله وجنته، بسبب انخداع الإنسان فيها وركضه وراءها وخيانته للأمانة التي تولى مسؤوليتها. إننى أبعث برسالة تذكير لكل من هو في موقع يتعرض فيه لفتنة المال من وزير، أو نائب، أو عضو جمعية تعاونية، أو أمين صندوق، وغيره، أنك ستسأل يوم القيامة عن كل دينار لديك، بل عن كل فلس من أين اكتسبته، وفي أي شيء أنفقته، ولذلك أعد لهذا السؤال جواباً، وأعلم أنك إن تحصنت بمحام ماهر يحفظ القانون، ويعرف ثغراته، ويجيد انقاذك من التهم، ويخرجك منها كما تخرج الشعرة من العجين، فكن على يقين بأنك لن تجد من سيدافع عنك يوم القيامة، كما قال تعالى «ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً» النساء 109.

وتأمل قول الرسول عليه الصلاة والسلام «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة». فإن كان الله تعالى لم يسامح بكتم المخيط وخيانته، وهو الإبرة التي تستخدم في خياطة الخيام وما شابهها، فما بالك بمن خان ما هو أكبر منها من الأمانات؟





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

Alfadli-a@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي