عمار تقي / البرادعي «الرابح الأكبر» من أحداث الكويت!

تصغير
تكبير
لا يمكن بأي حال من الأحوال القبول بالتصرف التعسفي الذي أقدمت عليه وزارة الداخلية الكويتية بخصوص قرارها بإبعاد مجموعة من أبناء الجالية المصرية في الكويت، خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، لمجرد أنهم قاموا بالتظاهر «سلمياً» تأييداً منهم لترشيح الدكتور محمد البرادعي لخوض انتخابات الرئاسة المصرية المزمع إجراؤها العام المقبل! فصحيح أن المادة 12 من المرسوم رقم 65 للعام 1979 والخاص بالتجمعات العامة تحظر على غير المواطنين المشاركة في التظاهرات أو التجمعات العامة في الكويت, وبالتالي يكون من حق الدولة اتخاذ الإجراءات الإدارية والعقابية بحق من يخالف هذا القانون, لكن من غير المقبول أن يكون تطبيق هذا القانون بهذا الشكل الذي تم عليه!ّ فقد كان الأجدر بوزارة الداخلية الاكتفاء بتفريق المتظاهرين «سلمياً» كون هذه التظاهرة تحدث للمرة الأولى, أو توقيع المتظاهرين على تعهد خطي، أو توجيه إنذار بعدم العودة مجدداً لهذا العمل كونه يتعارض مع قانون التجمعات في الدولة, دون اللجوء مباشرة لقرار تعسفي كالـ «الإبعاد» خصوصاً وأن التظاهرة كانت «سلمية» ولم تشهد أي صورة من صور العنف!

هذا التصرف الذي أقدمت عليه وزارة الداخلية, أضر كثيراً بسمعة الكويت الخارجية من جهتين: الأولى انه أقحمنا قسراً بشكل أو بآخر في الصراع السياسي الدائر في مصر حول الانتخابات المقبلة, والأمر الآخر أنه وضعنا في «موقف لا نحسد عليه» أمام منظمات حقوق الإنسان العالمية (واحنا مش ناقصين) في حدث كان بالإمكان التعاطي معه بأسلوب أكثر حكمة وهدوءاً من خلال احتوائه بطريقة ديبلوماسية بدلاً من التعاطي معه بهذا الشكل التعسفي!

لن أتعمق أكثر في الجانب الحقوقي والإنساني لهذه القضية, لكن ما لفت انتباهي حقاً في هذا الموضوع هو تصريح السيد وزير الداخلية الذي نقلته منظمة «هيومن رايتس ووتش» الذي أشار فيه إلى أن الكويت لن تسمح بأي مظاهرات تنتقد الرئيس المصري! طبعاً وفقاً للقانون الكويتي, يمنع منعاً باتاً انتقاد رموز الدول وتشويه صورتهم, وهذا أمر لا خلاف عليه كونه أمراً قانونياً, ولكن أعتقد أنه من الأحرى والأجدر تطبيق هذا القانون على جميع الدول بدلاً من التعاطي معه بشكل «انتقائي»! ولنستشهد هنا بما حدث قبل أشهر عدة عندما قام مجموعة من المتظاهرين الإيرانيين بالتجمهر أمام السفارة الإيرانية في الكويت احتجاجاً منهم على نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية وتأييداً منهم للمرشح مير موسوي! في ذاك الوقت, لم نسمع أو نقرأ أن وزارة الداخلية قد قامت بإبعاد الإيرانيين من الكويت رغم أنهم قد خالفوا القانون ذاته الذي استشهدت به وزارة الداخلية الخاص بالتجمعات, ولم نسمع أي تصريح لوزارة الداخلية بأنها ترفض انتقاد رؤساء ورموز الدول, بل على العكس تماماً! فقد قامت الصحف آنذاك بنشر صور تظهر تواجد سيارات الشرطة خلال تلك التظاهرة التي جرت بجانب السفارة الإيرانية بحجة «حفظ الأمن»! حقيقة إنها لمفارقة عجيبة تحمل بين طياتها الكثير من علامات التعجب والاستفهام ولا أعتقد أن هناك أي داع لاستيضاح «المقصد» من هذا الاستشهاد, فاللبيب بالإشارة يفهم, والله من وراء القصد!

ختاماً, ما قامت به وزارة الداخلية بحق مجموعة من أبناء الجالية المصرية أمر غير مقبول وأضر كثيراً بسمعة الكويت الخارجية وأقحمنا قسرا في الصراع السياسي الداخلي المصري, حيث كان بالإمكان التعاطي مع هذا الموضوع الحساس بطريقة أكثر حكمة وحصافة وبعيداً عن وسائل الإعلام! ويبقى الرابح الوحيد من هذه الحادثة هو الدكتور محمد البرادعي الذي يبدو أن «سره باتع», كما يقول إخواننا المصريون, بعد أن حصل على دعاية «مجانية» قدمتها له وزارة الداخلية الكويتية على «طبق من ذهب» دون أن يكلف نفسه دفع «جنيه واحد»!

يبقى أننا في الكويت علينا الاستفادة من هذا الدرس وأن تكون حادثة الإبعاد القسري للإخوة المصريين بوابة للمطالبة بفتح «ملف الإبعاد والقيود الأمنية» وإخضاع هذا الملف لأحكام القانون... فمن يعلق الجرس؟





عمار تقي

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي