د. سامي ناصر خليفة / تعديل الدستور... بين «العنقود» و«الناطور»

تصغير
تكبير
تعديل دستور الكويت إلى مزيد من المكتسبات الشعبية وترسيخ الديموقراطية هو حاجة فطرية لأي مجتمع يتطور اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وفكرياً مع مرور العقود وتوارث جيل بعد جيل قيادة المرحلة، وقد أكّد نواب المجلس التأسيسي مطلع الستينات تلك الحاجة الماسة لتعديل الدستور رغم جمود آليات تعديله وصعوبتها والتي تتطلب موافقة سمو الأمير والأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس الأمة. وما زلت أستحضر ما سطره لنا التاريخ حين قال أحد واضعي الدستور، هو الدكتور أحمد الخطيب، أنه وزملاءه حين وضعوا المواد الدستورية كان يحدوهم الأمل في أن يعاد تقييم تلك المواد بعد الأعوام الخمسة الأولى، ويتم تعديله بما ينسجم وحاجة المواطنين آنذاك.

ولكن ما يؤسف أنه وإلى هذه اللحظة أصبح السعي نحو التعديل من الهواجس المقلقة للمعارضة خشية من أن التعديل قد يتم بصورة سلبية لا تخدم الحريات وغيرها، ولنا في تجربة تنقيح الدستور عام 1980 التي جاءت بها السلطة مثال يعزز هذا التخوف. تلك النية التي تصدى لها النشطاء السياسيون آنذاك مشككين في أنها تخالف روح الدستور، وتدفع البلاد نحو الاضطراب الدستوري بدلاً من تحسين أدائه.

لذا نقف اليوم أمام مطلب النائب الفاضل علي الراشد طويلاً، وهو الذي صرّح مراراً وتكراراً منادياً بتعديل بعض مواد الدستور إلى مزيد من تعزيز المكتسبات الشعبية وغيرها، ونقول انها كلمة حق لا يختلف عليها إثنان، وحاجة فطرية ماسة نراها بأم أعيننا، ولكن هناك فرق بين تشخيص الحاجة إلى أمر ما، وبين توفر مقومة تطبيقه أو تنفيذه. فهناك الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها في البلاد تتطلب تعديلاً جذرياً من خلال إعادة النظر في قوانين الدولة، ولكن تتطلب في الدرجة الأولى توافقاً من الأغلبية الساحقة على التصدي لها، وهذا ما لم يتوفر بعد.

بمعنى آخر المطلب شيء والطريق لتحقيقه أمر آخر، ولا يكفي من النائب علي الراشد أن يرمي صخرته في المياه الراكدة دون أن يسبق تلك الصخرة مجموعة خطوات تؤدي في محصلتها إلى مواءمة سياسية وتوفير مناخ من حسن الظن في المطالب قبل النظر في شكل ومضمون المطلب. وهنا تكمن المشكلة حين لا يحسن النائب توفير المقدمات السليمة لطرح مطلب حق كهذا الذي طرحه النائب الراشد، فإن ردود الفعل المعاكسة والمتوجسة قد تكون من القوى بحيث تنهي آمال أصحاب أي مطالبات أخرى شبيهة.

ولثقتنا بالنائب علي الراشد وتيقّننا بأنه وضع يده على الجرح الذي قد يعالج الكثير من المشاكل المستعصية اليوم، إلا أننا نلومه كثيراً على طريقته العفوية في طرحه له، والتي تمت من دون استشارات سابقة مع القوى السياسية في المجلس وخارجه، ومن دون تأطيرها بتأييد مؤسسات المجتمع المدني المخضرمة والمعنية بذلك كي يضفى على التعديل صفة شعبية لابد منها، وليسد الباب على من يريد الترصّد بالراشد قائلاً انه لا يريد «العنقود» المتمثل بتحقيق المطلب، بل يريد «الناطور» المتمثل بتسجيل موقف تاريخي يحسب لشخصه!



د. سامي ناصر خليفة

أكاديمي كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي