بصوت متهدج، ودموع أبٍ كويتي حارت في عيونه، قال لي والألم يقطِّع قلبه، ويذهب ببقايا روحه: «تصدق يا دكتور لقد فكرت أن أودع ابنتي في إحدى دور الرعاية أو أضعها عند أحد المساجد، ثم أذهب لأتبناها بعد ذلك»، أووووف! ليش؟
قال لي: «هذا أرحم مليون مرة مما أنا فيه وأعيشه يومياً، إني أموت في اليوم ألف مرة، كلما رأيت ابنتي وهي تعيش دون هوية، أو أوراق رسمية تثبت نسبتها لي، فالشياطين تتقافز أمام ناظري كل لحظة لترسم مستقبلاً مظلماً لها، إني أتخيل مأساتها يومياً لو مت في أي لحظة، فما المصير المجهول الذي ينتظرها، وكيف ستعيش؟».
حاولت التظاهر بالهدوء والتفكير العقلاني المنطقي، وقلت له: هدئ من روعك يا صديقي، وهل يفكر الرجل بأن يرمي ابنته وفلذة كبده في دور الرعاية، كيف طرأت عليك هذه الفكرة المجنونة، ولم تفكر بهذه الطريقة ؟
قال لي بعد سحب أنفاسٍ تمزقت معها كل المعاني الجميلة للحياة: «صدقني يا دكتور هي الطريقة الأفضل أمامي، فقد سدوا في وجهي جميع السبل، جعلوني أكلم نفسي، فأنا لا أنام الليل من كثرة الهم والتفكير، تخيل أنك ترى أبناءك يكبرون أمام ناظريك دون أوراق رسمية، تصدق أن ابنتي معلومة الوالدين، ولكنها في الوقت نفسه مجهولة الهوية!».
سألته بدهشة واستغراب، فما زلت غير مصدق لكلامه: معلومة الوالدين ومجهولة الهوية، حدثني بما يعقل يا رجل، أظنك تبالغ في الموضوع ليس إلا، أليس كذلك؟
رجع إلى الوراء قليلا ليسند ظهره الذي كسرته قسوة الأيام وظلم مؤسسات الدولة، وبدأ يروي قصة مأساته، فقال: «تزوجت من امرأة بدون، وبالطبع لا تقوم وزارة العدل بتوثيق عقد الزواج الشرعي، فلجأت إلى المحكمة، فأنصفني القضاء العادل، وخرجت بحكم محكمة صادر باسم حضرة صاحب السمو يثبت زواجي، ورزقت من زوجتي بطفلة جميلة، وعندما ذهبت لإصدار شهادة ميلاد لها قالوا لي لابد من وثيقة عقد زواج شرعي».
أهااا... وحكم المحكمة الصادر باسم حضرة صاحب السمو، ألا يعتبر وثيقة رسمية بالزواج؟
قال لي وهو يبتسم بغضب متفجر: لقد قالوا لي بدم بارد لن نستطيع إصدار شهادة ميلاد لابنتك إلا بعقد زواج شرعي رسمي، وهذا الحكم لا يقدم ولا يؤخر في الموضوع، وبالتالي لا بطاقة مدنية، ولا إضافة في ملف الجنسية، ولا جواز سفر، حتى تذهب زوجتك إلى لجنة البدون وتوقع هناك وتعترف وتقر بجنسيتها».
سألته مستغرباً: وما دخل ابنتك بالموضوع يا صديقي؟ فأنت كويتي، والابن يتبع أباه في التجنيس، هذا بنص قانون الجنسية.
رد علي بحسرة بعد أن زفر زفرة أب مكلوم: «قل لهم هذا الكلام، فقد عجزت وأنا أردد على مسامع المسؤولين في وزارتي الصحة والداخلية هذه الحجج، حاملا في يميني حكم المحكمة الصادر باسم حضرة صاحب السمو دون جدوى، ولم يبق أمامي سوى إيداعها دور الرعاية لتنعم بكافة حقوق المواطنة، ومن ثم أتبناها لتعيش في كنفي!»
د.عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]