د. جلال محمد آل رشيد / حُزن شامخ يلف الدنيا

تصغير
تكبير

نعم، ولِمَ لا تتشح الدنيا بالحزن والأسى في مثل هذه الذكرى الفاجعة التي أدمت، ولا تزال، القلوب العاشقة، والأفئدة التي تهوي إلى الآل الأطهار؟

الحزن هو العلامة البارزة، الحزن الممزوج برائحة الكرامة والعزة والإباء، الحزن الممانع الأبيّ الشامخ الذي يتلفظ بأقوال تترجمها أفعال ترسم خريطة مقولة «هيهات منا الذلة» التي أطلقها سيِّد كربلاء ابن بنت رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

وشاح أسود، كبير عالٍ، حزين قوي، ذو صوت جهوري، يعبر كل مدى من زمان أو مكان، يعبر الجغرافيا والتاريخ، يخترق حواجز القوة... بقوة الحق، ينتصر حال سقوط الأجساد إلى أسفل، وارتفاع الأرواح الأبية إلى عليين، وما أدراك ما عليون.

كربلاء، التي انتصر فيها الدم المظلوم، على السيف الظالم، لاختلاف مقاييس احتساب نتيجة المعركة التي حدثت بين جهتين رأت كل واحدة منهما، بعد انجلاء الغبرة، أنه انتصر انتصاراً حقيقياً...فمَن طلب الدنيا انتصر، لحصوله على جوائز الذهب والفضة التي ينتظرها المنتصرون في حروب أرباب الأجساد...بينما انتصر الطرف المقابل، أيضا، أربابُ الأرواح، أرباب الأنفس المطمئنة التي رجعت إلى ربها راضية مرضية، فدخلت في عباده ودخلت جنته، انتصروا، هم أيضاً، بسبب اختلاف المقاييس بين مَن خدموا أجسادهم التي أبلاها الدهر، ومَن خدموا أرواحهم التي لا تبلى. فمَن الذي انتصر انتصاراً حقيقياً دائماً أبدياً؟

من الذي رسم خريطة الانتصار الدائم، مثالاً، تعددت تطبيقاته فيما مضى، وستتعدد مستقبلاً أكثر وأكثر؟

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أخيه أبي الفضل العباس، وعلى أصحاب الحسين. إننا نتذكر دوماً شهادتهم ونردد الآية القرآنية الكريمة: «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ».


د. جلال محمد آل رشيد


كاتب وأكاديمي كويتي

[email protected]


 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي