سيف الهاجري / الكويت والوهم الديموقراطي

تصغير
تكبير

يتعجب الكثيرون من المراقبين للشأن العام في الكويت من مدى هشاشة الأداء البرلماني والحكومي. هذا التعجب يأتي من التصور المسبق بأن العمل السياسي في الكويت قائم على الديموقراطية، وأن الأمة مصدر السلطات جميعاً، فالحكم على الأشياء فرع عن تصورها. وإذا كان الأمر كذلك فلم هذه الهشاشة في الأداء البرلماني والحكومي؟ ولم هذا التدهور على المستويات كافة؟ تساؤلات كثيرة طرحها المراقبون، وهي بلا شك مربكة لهم لعدم توافق النتائج الإيجابية المتوقعة مع مثل هذا التصور.

لفهم ما يجري على الساحة السياسية الكويتية، من متناقضات وانحرافات، لا بد هنا من معرفة واقع العمل الحكومي والبرلماني وممارساته، ومدى اتساقه مع ما نص عليه الدستور الكويتي، المرجع الحقيقي للعمل السياسي في الكويت، وهو في مادته السادسة ينص على أن: «نظام الحكم في دولة الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً». فالدستور واضح في بيان طبيعة السيادة والنظام في الكويت، في هذه المادة وغيرها من المواد الدستورية، خصوصاً في ما يتعلق بالحقوق والحريات، ولا أعتقد أن هناك من يجادل في شأن هذه الحقيقة. إذاً السر يكمن هنا في الممارسات، فهي المعيار الحقيقي لتصنيف أي عمل سياسي من كونه ديموقراطياً أم لا، فلو نظرنا إلى السلطة التشريعية، ممثلة في مجلس الأمة، نجد أنها تعاني من ضعف كبير أثر على أدائها، ولهذا الضعف أسباب عدة لعل أهمها غياب قانون ينظم عمل الأحزاب والتجمعات السياسية، والتي تعتبر ركناً أساسياً في العمل السياسي الديموقراطي والبرلماني، فلن يتقدم العمل البرلماني من دون الأحزاب السياسية ذات البرامج السياسية الواضحة، والتي تسهل وتطور آلية العمل داخل البرلمان بخلاف ما هو حاصل الآن من وجود خمسين نائباً كل منهم حزب لوحده، وكذلك النظام الانتخابي السابق القائم على تفتيت الدوائر الانتخابية إلى خمس وعشرين دائرة منذ مجلس 1981 إلى المجلس الحالي، والذي أفرز هذا النظام مخرجات ليست على المستوى المطلوب للعمل السياسي بسبب المنطلقات الضيقة لهذه المخرجات، وبالتالي الانحراف عن الممارسة الحقيقية للعمل البرلماني القائم على التشريع والمراقبة والمحاسبة، ما أدى الى انفراد الحكومة بالسلطة الحقيقية داخل مجلس الأمة، وهذا يفسر حرصها الكبير في الحفاظ على المجلس الحالي خوفاً من انقلاب الموازين في أي انتخابات مبكرة قائمة على النظام الجديد للدوائر الانتخابية.

وأما الحكومة فحدث ولا حرج عن مدى ضعفها وعجزها عن القيام بالمهام الموكولة بالسلطة التنفيذية دستورياً، فماذا نتوقع من حكومة ليس للشعب دور في اختيارها، ولم يمر أعضاؤها على صناديق الاقتراع ليعرضوا بضاعتهم على الشعب ليختار من يشاء؟ أعتقد أن التأخر الذي تعيشه البلد على المستويات كافة هو المتوقع من حكومتنا الموقرة.

مراقبونا الكرام، في ظل غياب حكومة شعبية منتخبة، والتي تعتبر الأساس الحقيقي لسيادة الأمة، وفي ظل مصادرة حق الافراد في تنظيم العمل السياسي بقانون الأحزاب، فلا تتعجبوا إذاً من هشاشة العمل السياسي في ظل الوهم الديموقراطي الذي نعيشه.

....

مقالنا أعلاه يؤكد ما ذكره المواطن الكويتي في مقال «ماذا لو؟» للأستاذ محمد مساعد الصالح في الزميلة «القبس» عدد 15/1/2008 عن «حزب الأمة»، بفارق جوهري وهو أن المدهوس هو الشعب الكويتي لا العامل البنغالي. والله من وراء القصد.


سيف الهاجري

كاتب صحافي وناشط سياسي

[email protected]




الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي