إطلالة

للخشوع طاقة (2 من 3)

تصغير
تكبير

دعونا نستكمل موضوع مقالنا الذي نشر الجزء الأول منه في عدد الخميس الماضي، ونتأمل قليلاً عن الحقائق العلمية والقرآنية التي طرحناها بعدما تحدثنا في السابق عن الخشوع على أنه أفضل علاج لكثير من الأمراض، وأن المؤمن حينما يمارس عبادة الخشوع يمتلك طاقة كبيرة في كل المجالات، والسؤال التالي هنا: هل الخشوع يخفف الآلام لدى الانسان؟

بعد فشل الطب الكيميائي في علاج بعض الأمراض المستعصية لجأ بعض الباحثين إلى العلاج بالتأمل بعدما لاحظوا أن التأمل المنتظم يساعد على تخفيف الإحساس بالألم، وكذلك يساعد على تقوية جهاز المناعة.

وفي دراسة جديدة تبين أن التأمل يعالج الآلام المزمنة، فقد قام بعض الباحثين بدراسة دماغ الإنسان لدى الأشخاص الذين طلب منهم أن يغمسوا أيديهم في الماء الساخن جداً، وقد تم رصد نشاط الدماغ نتيجة الألم الذي شعروا به، وبعد ذلك تمت إعادة التجربة مع أُناس تعوّدوا على التأمل المنتظم، فكان الدماغ لا يستجيب للألم، أي أن التأمل سبب تأثيراً عصبياً منع الألم من آثار الدماغ.

وهكذا نستطيع أن نستنتج أن الخشوع يساعد الإنسان على تحمل الألم بل وتخفيفه بدرجة كبيرة، وهو أفضل وسيلة لتعلم الصبر، وعلاج فعال للانفعالات، فإذا كان لديكم مشكلة نفسية مهما كان نوعها، فما عليكم إلا أن تتأملوا كل يوم بمعجزة من معجزات القرآن مثلاً، أو تستمعوا لآيات من القرآن بشيء من التدبر، أي تعيشوا في جو الآيات، فعند أي عذاب مثلا تتخيلون نار جهنم وحرها، وعندما تستمعون لآية نعيم تتخيلون الجنة وما فيها من نعيم... وهكذا كانت قراءة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، للقرآن الكريم.

إنّ دماغ الإنسان يحوي أكثر من عشرة آلاف تريليون وصلة عصبية، وهذه الوصلات تصل إلى أكثر من تريليون خلية بعضها ببعض، وتعمل كأنه أعقد جهاز على وجه الأرض.

ويقول العلماء إن خلايا الدماغ تحتاج إلى التأمل والتفكر دائماً لتستعيد نشاطها بل لتصبح أكثر فاعلية، وإن الأشخاص الذين تعوّدوا على التفكر العميق في الكون مثلاً، هم الأكثر إبداعاً، وهنا ندرك أهمية قول الله تعالى في كتابه الكريم: «إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سُبحانك فقِنا عذاب النار». صدق الله العظيم

( آل عمران 191).

إذا، ما العلاقة بين الخشوع والعاطفة؟

لقد لاحظ بعض العلماء عندما أجروا مسحاً للدفاع بالرنين المغناطيسي الوظيفي FMRI، أن الإنسان الذي يتعود على التأمل يكون أكثر قدرة على التحكم بعواطفه، وأكثر قدرة على التحكم بانفعالاته، وبالنتيجة أكثر قدرة على السعادة من غيره، وبالتالي فإن التأمل يؤدي إلى تنظيم عاطفة الإنسان وعدم الإسراف أو التهور في قراراته لأن التأمل ينشط المناطق الحساسة في الدماغ تنشيطاً إيجابياً بحيث يزيل التراكمات السلبية والخلل الذي أصاب هذه الأجزاء نتيجة الأحداث التي مر بها الإنسان.

سؤال آخر: هل الخشوع يعالج الأمراض المستعصية فعلا؟!

هناك مراكز خاصة في الدول الغربية تعالج المرضى بالتأمل، ويقولون إن التأمل يشفي من بعض الأمراض التي عجز الطب عنها، ولذلك نجد اليوم إقبالاً كبيراً عليها، وكلما قرأت عن مثل هذه المراكز ربما تقول سبحان مغير الأحوال، سبحان الله! ألسنا نحن أولى منهم بهذا العلاج، فالقرآن الكريم جعل الخشوع والتأمل والتفكر في خلق الله عبادة عظيمة وفضلها كبير، فقط انظروا كيف مدح الله عبادة المتقين وقال سبحانه: «إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب... الخ، ولذلك أخي القارئ إذا كان لدى أحدكم مرض مستعصٍ أو مزمن فما عليه إلا أن يجلس في كل يوم لمدة ساعة مع معجزة من معجزات القرآن في الفلك أو الطب أو الجبال والبحار وغير ذلك، ويحاول أن يتعمق في خلق الله الرحمن الرحيم وفي عظمة هذا القرآن، وهذه الطريقة السليمة التي يُعالج بها الكثيرون من بعض الأمراض وكذلك من أي مشكلة نفسية.

إذاً ما العلاقة بين الخشوع والناصية؟

لقد وجد العلماء أن ناصية الإنسان، أي الجزء الأمامي من الدماغ تنشط بشكل كبير أثناء التأمل والتفكير العميق والإبداعي، فهذه المنطقة من الدماغ هي مركز القيادة أيضاً لدى الإنسان ومركز اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية، ولهذا الجزء من الدماغ أثر كبير على سلوكنا وعواطفنا واستمرار حياتنا، ولذلك نجد النبي المصطفى سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، ركزّ على هذا الجزء في دعائه لربه، فكان يقول: (ناصيتي بيدك) أي يا رب لقد أسلمتك ناصيتي، وهي مركز القيادة والقرارات والسلوك وأنت سبحانك توجهها كيفما تشاء، كذلك فإن أحد أساليب العلاج بالقرآن، أن تضع يدك على منطقة الناصية ثم تقرأ آيات من القرآن الحكيم بخشوع شديد فيكون لها تأثير أكبر، وبالتالي يمكن القول إن المؤمن عندما يمارس الخشوع في عباداته وفي عمله وفي تفكره وتدبره لكتاب ربه وحتى في علاقاته الاجتماعية فإن هذه المنطقة أي الناصية تتنشط وتصبح أكثر قدرة على الإبداع وعلى توجيه الجسد وعلى اتخاذ القرارات السليمة درءاً للكذب.

إذاً، نجد أن الخشوع يساعد على الصدق، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في آياته، وكذلك دعاء سيدنا هود عليه السلام، مثلاً في القرآن: «إنّي توكلتُ على الله ربي وربّكم ما من دآبة إلا هو آخذ بناصيتها إنّ ربي على صراط مستقيم»، (هود 56).

وفي المقال المقبل سنسلط الضوء على العلاقة ما بين الخشوع والوساوس وهل التأمل والخشوع يعالجان الوسواس؟!

ولكل حادث حديث،،،

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي