يتسلق أعلى الشجرة ويتمسك بأغصانها وفي عينيه رسمة للخوف والحيرة، حالة رعب من الكلاب المفترسة التي يمسك بمقودها رجل أبيض، وهي متحفزة لمهاجمة العبد، الهارب خشية العقاب بعد فشله في مبارزة قتالية.
قصة خيالية في فيلم هوليوودي، لكنها تستقي بعض الصور من أحداث موثقة شبيهة حدثت في فترة الاستعباد في أميركا قبل الحرب الأهلية هناك، التي كان أحد أسبابها الإعلان عن إلغاء العبودية من قبل الحكومة الفدرالية.
في مزرعة كاندي لاند الكبيرة في ولاية المسيسيبي، هناك الشخصية الخيالية للشاب الوسيم المزهو بنفسه كالفن جي كاندي، وهو مالك المزرعة، وهو محاط بالخدم والحشم، يتوقف ويطمئن العبد، الهارب بأن له الامان إن نزل من أعلى الشجرة، لكن بعد حوار أمر بإطلاق الكلاب المتوحشة لتنهش لحم الهارب الذي خذل مالكه في القتال وأصبح عبئاً عليه، حدث ذلك وسط تصفيق وضحك المقربين والمساعدين للشاب كالفن.
نعم إنها قصة هوليوودية لكنها صورة متخيلة من صور شبيهة حقيقية وموثقة.
مشهد آخر هوليوودي لكنه لقصة حقيقية بالقرن الرابع عشر لفاتنة الجمال مارغريت دي كاروج، التي تقطن النورماندي مع زوجها جاك دي كاروج، الفارس النبيل بالجيش الفرنسي، والتي تعرضت لانتهاك جسدي من قبل المنافس لزوجها جاك لوغري الفارس القوي والمقرب من أحد النبلاء النافذين في مملكة فرنسا.
المرأة الجريحة مارغريت وفي حضرة الملك شارل السادس، تشتكي الاعتداء، تشتكي في وقت لا صوت للمرأة إلا صوت خافت، هي ليست بكيان كامل مستقل، ربما هي ظل رجل فقط. هذا الوضع جعل شكواها وشهادتها ضعيفة وكان الحكم أن تكون هناك مبارزة قضائية رسمية، إذا انتصر زوجها وقتل الخصم فقد كشفت السماء الحقيقة بأنها صادقة، وإن انتصر المتهم وقتل زوجها بالمبارزة فقد قررت السماء أن تظهر صدق المتهم وكذب المرأة فيتم حرقها حية مع جنينها الذي في أحشائها في برج عالٍ تم تقييدها فيه في ميدان المبارزة نفسه.
هذه المقدمة المطولة كانت ضرورية لتهيئة النفس للتحدث عن فضيحة القرن، فضيحة جيفري إبستين.
فقد أظهرت بعض الصور التي نشرتها الجهات المختصة في الولايات المتحدة جزءاً من الفظائع والفضائح التي قام بها المليونير صاحب العلاقات والصداقات الواسعة جيفري إبستين. مجموعة لصور تم وصفها بأنها صور «مقلقة ومرعبة» لاستغلال الأطفال وصور لأزياء غريبة، وحيوانات محنطة بشكل مريب في قصره الواسع في منهاتن بولاية نيويورك الأميركية.
شبكة واسعة، وفترة طويلة من أول تهمة توجه له باستغلال قاصر في سنة 2005، تحقيقات مطولة وهو حر طليق إلا من فترة غير طويلة قضاها بالسجن، حتى تم اعتقاله أخيراً في يوليو 2019 ثم بعد ذلك العثور عليه في شهر أغسطس من السنة نفسها مشنوقاً في زنزانته بما تم وصفه بأنه انتحار!
ما يلفت النظر ويضع أهمية لقصة إبستين المقرفة بأنه ليس مجرد مجرم عادي، لا بل هو ملياردير له علاقات واسعة مع مشاهير وسياسيين ورجال أعمال، ونشاطاته ليست فقط حبيسة قصره، بل هي ممتدة بصورة وأخرى في جزيرتيه اللتين اشتراهما بمبالغ مليونية عالية والواقعة ضمن الجرز الأميركية العذراء في البحر الكاريبي. ومن أحد الشخصيات البارزة التي تم اكتشافها من المتواطئين معه المدانة جيلان، ابنة الملياردير روبرت ماكسويل، والتي تحمل الجنسيات البريطانية والفرنسية والأميركية، والتي حكم عليها بعشرين سنة بالسجن بسبب تعاونها مع المجرم إبستين في عملية خداع واسترقاق الفتيات.
يتساءل البعض، هل فضيحة إبستين التي لم تطو فصولها بعد هي فضيحة شخص ملياردير فاسد أخلاقياً، أم هي فضيحة فساد أخلاقي أخطبوطي طويل ومتشابك ومتفرع؟ يتساءل البعض الآخر هل يحتاج التحقيق من أول شكوى لوالدين بشأن استغلال ابنتهما عام 2005، أن يأخذ البحث والتقصي والتحري أربع عشرة سنة حتى عام 2019، عندما تم القبض عليه بعد عشرات الشكاوي من أولياء أمور ومن فتيات، وقت طويل للتحري حتى يتم إيقاف المجرم ثم يتم اكتشاف أنه منتحر في زنزانته في مكان تعتبر فيه أجهزة المخابرات والبحث والتحري هي الأقوى في العالم؟!