مقال / تراجيديا!

تصغير
تكبير
|إبراهيم صموئيل|
ربما كان يوم المسرح العالمي 27 مارس هو اليوم التراجيدي في الحياة الثقافية العربية. وهو يوم يذكّرنا بأفول العروض المسرحية. بانسحاب هذا الفن العريق إلى المقاعد الخلفية لأسباب عديدة يحاول المجتهدون رصدها وعرضها والتعليق عليها والدعوة إلى تجاوزها، من غير أن يتقدّم هذا الفن إلى الواجهة أو يغادر مقاعده الخلفية.
لكأن الحياة لا تحتمل إلا فناً واحداً!
إما أن تكون الرواية حاضرة، نضرة، مُحتفى بها، تُعقد لأجلها المؤتمرات والملتقيات والندوات، وتجتمع لترجمتها نخب ومؤسسات وهيئات، وتكرّس لها الجوائز ومختلف أشكال التكريم... وإما أن يكون الشعر بقصائده ودواوينه وأعلامه... وإما أن تكون السينما بأفلامها الطويلة والقصيرة والتسجيلية!
أما أن يُفسح في المجال لكل فن كي يحضر ويشارك بفاعلية ويملأ مساحته فهو ما يبدو متعسّراً في الحياة الثقافية ، والتعسّر ليس مردّه عدم إمكانية جمع الفنون وتهيئة الأسباب لحضورها، بل لأن الجهات المعنية انخرطت بالدارج الذي يُشاع، فراحت تنقل اهتمامها وإمكاناتها، وتركّز جلّ وسائل إعلامها على الترويج للرائج!
مَنْ كان يكتب للمسرح وجد نفسه في سوق لا يشتري هذه «البضاعة»، وإنْ اشتراها فعلى ندرة وبأقل القليل تحت ذريعة ما من جمهور للمسرح، بعدُ، وما من ممثلين. أين ممثلو المسرح الكبار المبدعون؟ هاجروا إلى التلفزيون! فما يحصل عليه الممثل من دور يؤديه أمام العدسات، على عجالة وكيفما اتفق، أعظم ربحاً مادياً بما لا يُقاس من الجهود المضنية التي يسفحها على الخشبة ولا يجني جراءها إلا الملاليم!
الدراما التلفزيونية الآن تدرّ ربحاً هائلاً للعاملين في حقلها، خصوصاً للممثلين الذين تبيّن لهم أن مردودهم من المكافآت المالية في بضعة أعمال على الشاشة يفوق كل ما يمكن أن يحصلوا عليه طوال حيواتهم من العمل المسرحي، علاوة على السهولة والراحة النفسية اللتين يكون عليهما الممثل في التلفزيون عمّا هو عليه فوق الخشبة، أمام الجمهور مباشرة.
أما الجمهور الذي يُتاجر به وتُرفع باسمه يافطة أنه «عايز كده» فيجد نفسه ضحية اللعبة، ولا قرار له مهما مال إلى المسرح وهفت نفسه إليه. فقط حين يحدث أن يُقدَّم عرض مسرحيٌّ بالمصادفة، ستُفتضح اللعبة عن آخرها. إذ سيتزاحم المئات على أبواب صالة المسرح، ويرتضي البعض منهم بالمشاهدة وقوفاً. ورغم ذلك فلن يدوم العرض إلا لأيام قليلة جداً، ثم يختفي من الحياة الثقافية!
بقرار تجاري، أو باضمحلال تدرجي، تلاشت العروض المسرحية من حياتنا العربية إلا بعضها، مما يظهر بين فينة وفينة، أو لمناسبة يوم المسرح العالمي الذي يذكّرنا بهذا الفن العظيم المنسي، فنقيم له احتفالية على نحو ما، نلقي بعض الكلمات على ذكراه، نقدّم عرضاً أو عرضين من أعماله، ثم ندير الظهور له، متخلّصين من أعبائه وماضين إلى مشاغلنا نحو ما يدرّ الربح والشهرة السريعة، خصوصاً أن العالم يعيش أزمة اقتصادية والعامل في حقل الثقافة والفنون يريد أن يأكل خبزاً أيضاً!
غاب المسرح أو كاد!
صار ذاكرة في حياتنا الثقافية. مناسبة سنوية. عرض هنا أو عرض هناك.أيام لا تتجاوز الأسبوع تمليها الضرورات، ثم يُسدل الستار لا على خشبته وأضوائه وممثليه فحسب، بل على وجوده ودوره وفرادته وألقه ليغدو، في واقعنا الراهن، تراجيديا الحياة الثقافية العربية بامتياز!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي