مرضان نفسيان يؤثران على ملايين الأشخاص
الأساس العصبي لانفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب
كشفت أدمغة بحجم حبة البازلاء نمت في المختبر للمرة الأولى عن الطريقة الفريدة التي قد تعمل بها الخلايا العصبية بشكل خاطئ بسبب انفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب، وهما مرضان نفسيان يؤثران على ملايين الأشخاص حول العالم، لكن يصعب تشخيصهما بسبب عدم فهم أساسهما الجزيئي بشكل كامل، الأمر الذي يجعل التشخيص الدقيق تحدياً كبيراً للأطباء.
وقد تساعد النتائج في النهاية الأطباء على تقليل الخطأ البشري عند معالجة تلك الاضطرابات النفسية وغيرها التي لا يمكن حالياً تشخيصها إلا بالحكم السريري ومعالجتها بطرق التجربة والخطأ الدوائية.
وأشارت آني كاثوريا، المهندسة الطبية الحيوية من «جامعة جونز هوبكنز»، التي قادت البحث إلى أن انفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب يصعب تشخيصهما للغاية لأنه لا يوجد جزء معين من الدماغ يتعطل ولا إنزيمات محددة تتعطل كما هو الحال في مرض باركنسون وهو مرض عصبي آخر يمكن للأطباء تشخيصه وعلاجه بناءً على مستويات الدوبامين على الرغم من أنه لا يزال من دون علاج مناسب، الأمر الذي يعقد عملية التشخيص والعلاج بشكل كبير.
وأنشأ فريق كاثوريا الأجسام العضوية الشبيهة بالأدمغة، وهي نسخ مبسطة من أنسجة المخ، من خلال إعادة برمجة خلايا الدم والجلد من أشخاص يعانون من انفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب ومن متطوعين أصحاء إلى خلايا جذعية قادرة على تكوين هياكل شبيهة بالدماغ، الأمر الذي يوفر نموذجاً فريداً لدراسة الأمراض العقلية.
ثم طبقوا أدوات التعلم الآلي لتحليل النشاط الكهربائي لخلايا الأجسام العضوية، الأمر الذي سمح لهم بتحديد أنماط إطلاق عصبي مرتبطة بالحالات الصحية والمرضية.
وفي الدماغ البشري، تتواصل الخلايا العصبية من خلال إشارات كهربائية صغيرة.
وعملت ميزات محددة من النشاط الشبيه بالدماغ لهذه الأجسام العضوية كمؤشرات حيوية لانفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب، الأمر الذي مكّن الباحثين من تحديد أصل الأجسام العضوية بشكل صحيح بدقة بلغت 83 في المئة.
وبعد تطبيق تحفيز كهربائي لطيف للكشف عن نشاط عصبي إضافي، زادت تلك الدقة إلى 92 في المئة، الأمر الذي يمثل قفزة كبيرة في القدرة على التمييز بين الحالات المختلفة.
وعكست الأنماط المكتشفة حديثاً سلوكاً كهروفسيولوجياً معقداً فريداً لانفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب. وحدثت ارتفاعات في إطلاق الخلايا العصبية وتغييرات في التوقيت في وقت واحد عبر معاملات متعددة، الأمر الذي أنتج توقيعات كهربائية متميزة لكل حالة. وقالت كاثوريا إنه على الأقل من الناحية الجزيئية، يمكنهم فحص ما يحدث بشكل خاطئ عندما يصنعون هذه الأدمغة في طبق والتمييز بين الأجسام العضوية من شخص سليم ومريض بانفصام الشخصية أو مريض باضطراب ثنائي القطب بناءً على هذه التوقيعات الكهروفسيولوجية.
ولدراسة كيفية تشكيل خلايا الأجسام العضوية للشبكات العصبية مع بعضها البعض، وضعوها على شريحة إلكترونية مجهزة بمصفوفات أقطاب كهربائية متعددة تشبه شبكة كهربائية، الأمر الذي ساعدهم على تبسيط البيانات كما لو كانت من مخطط كهربية الدماغ الصغير.
ونمت الأجسام العضوية بشكل كامل بأقطار تبلغ نحو 3 ميلليمترات، الأمر الذي يعني أنها تحتوي على أنواع مختلفة من الخلايا العصبية الموجودة في القشرة الجبهية للدماغ المعروفة بوظائفها المعرفية العليا.
وأشارت كاثوريا إلى أن هذه هي الطريقة التي يعطي بها معظم الأطباء المرضى هذه الأدوية بطريقة التجربة والخطأ التي قد تستغرق ستة أو سبعة أشهر للعثور على الدواء المناسب. و«كلوزابين» هو الدواء الأكثر شيوعاً الموصوف لانفصام الشخصية، لكن نحو 40 في المئة من المرضى يقاومونه، الأمر الذي يجعل العثور على العلاج المناسب عملية طويلة ومحبطة.
ومع هذه الأجسام العضوية، ربما لن يضطروا إلى فترة التجربة والخطأ تلك وربما يمكنهم إعطاؤهم الدواء الصحيح في وقت أقرب من ذلك بكثير، الأمر الذي قد يحسن حياة المرضى بشكل كبير ويقلل من معاناتهم.