سلام: جنوب النهر على بُعد أيام من الانتهاء... والدولةُ جاهِزةٌ للمرحلة الثانية من حَصْرِ السلاح
لبنان يدشّن 2026 بـ «إلى شمال الليطاني دُر» بتفكيك ترسانة «حزب الله»
- لبنان بين العيديْن... كأنه في «استراحة بين عاصفتين»
- هل ينتقل لبنان إلى «عين الصقر» الأميركية؟
- روبيو: نأمل أن تحول المحادثات اللبنانية الإسرائيلية دون تفاقم الصراع... لا نريد أن يستعيد حزب الله قدراته وسندعم حكومة بيروت لنزْع سلاحه
رسّم رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام «الخطوةَ التاليةَ» التي ستقوم بها بيروت مع انطلاق سنة 2026 في ما خص ملف تفكيك ترسانة «حزب الله»، بإعلانه «أن المرحلةَ الأولى من خطة حَصْرِ السلاح المتعلّقة بجنوب نهر الليطاني باتت على بُعد أيام من الانتهاء، والدولةُ جاهِزةٌ للانتقال إلى المرحلة الثانية، أي إلى شمال النهر، استناداً إلى الخطة التي أعدّها الجيش اللبناني بناءً على تكليف من الحكومة».
وبهذا الموقف يكون سلام، الذي اتخذتْ حكومتُه في 5 أغسطس الماضي، قراراً تاريخياً بحصْر السلاح في يدها تحت وطأة ضغوطٍ أميركية ديبلوماسية، وأخرى ميدانية إسرائيلية، حَسَمَ مبدئياً أن لا «تمديدَ» لمرحلة جنوب الليطاني (بذريعةِ أن تل أبيب ما زالت تحتلّ نقاطاً على الحدود الجنوبية للبنان) وأن الحكومة تتّجه في جلستها في 5 أو 6 يناير لإعلان هذه البقعة منزوعة السلاح وإن غير «منزوعة الاحتلال».
«تسليم وتسلُّم»
كما أن رئيسَ الحكومة وبكلامه بعد استقباله رئيس الوفد اللبناني المفاوض في «الميكانيزم» السفير سيمون كرم غداة الاجتماع الثاني للجنة بصيغتها المعزّزة الـ ما فوق عسكرية، أعطى واقعياً إشارةً إلى أن العدّ العكسي بدأ لـ «تسليم وتسلُّم» في المراحل بين جنوب الليطاني وشماله، وتحديداً إلى منطقةِ «ما بين النهرين» (اي الليطاني والأولي)، وفق الخطة التي كان وضعها الجيش اللبناني وتبناها مجلس الوزراء في 5 سبتمبر.
وإذ أكد سلام، بعد اطلاعه على تفاصيل ونتائج اجتماع «المكيانيزم» (الجمعة)، «ضرورة توفير كل الدعم اللازم للجيش اللبناني لتمكينه من الاضطلاع الكامل بمسؤولياته الوطنية»، فإن إعلانَه الضمني «إلى شمال الليطاني دُر» بدا معطوفاً على المناخاتِ الخارجية التي حَضَّتْ بيروت على مزيدٍ من «الإقدام» بخطةِ حَصْرِ السلاح باعتبار أن ذلك يمكن أن يدعّم «خطوطَ الدفاع» عن لبنان، وإن انتقالياً، بوجه تَحَفُّز إسرائيل للضغط على زناد الحرب الجديدة.
ورأت أوساطٌ سياسيةٌ في هذا الإطار، أن تمديدَ «فترة السماح» الأميركية للبنان لإنهاء سَحْبِ السلاح (كانت منتَظرة نهاية السنة) وتالياً «إقناع» إسرائيل بتعليقٍ جديد لضربتها العسكرية التي كانت تتحفّز لها قبل أسابيع وأَرْجَأَتْها لِما بعد 31 ديسمبر أي أوائل يناير، يتطلّب «أدواتٍ إضافيةٍ» ليس أقلها الانتقال «المباشر» الى مرحلة شمال الليطاني وأيضاً مع جدولٍ زمني يَجْري رصْد إذا كان سيُعتمد كما مع جنوب النهر.
وإذ اعتُبر اللقاء الفرنسي – الأميركي – السعودي في باريس (الخميس) بحضورِ قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل وما أُعلن بعده من تَوافُقِ على عقد مؤتمرِ دَعْمِ الجيش في فبراير (دون تحديد التاريخ النهائي ولا المكان) أحد «المحفّزات» الرئيسية لبيروت للمضيّ بخطةِ حَصْرِ السلاح - كي لا يُقال «المتطلّبات» منها - فإنّ هذا الموعد انطوى أيضاً على إشارةٍ برغبةٍ في مَنْحِ لبنان «فرصةً إضافيةً» لترجمةِ التزامها «ذاتياً».
«قنبلة فَرَحٍ»
ورغم ارتفاعِ «أسهم» تأجيلٍ جديدٍ للتصعيد الإسرائيلي، وهو ما يَجعل بيروت تتجه لعيديْ الميلاد ورأس السنة وكانها تستعدّ لـ «قنبلة فَرَحٍ» ستنفجر في «استراحة ما بين عاصفتين»، فإنّ الأوساط تَعتبر أن المحكّ الفعلي لِما سيكون على الجبهة اللبنانية يشكّله لقاءُ دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو (29 الجاري) والذي طغى عليه كَشْفُ أن الأخير سيُطْلِع الرئيسَ الأميركي «على خياراتِ مهاجمة برنامج إيران الصاروخي الباليستي مجدداً».
وهذه النقطة تحديداً تطلّ على لبنان و«حزب الله»، باعتبار أن خَفايا رفْض الأخير القاطع لتسليم سلاحه شمال الليطاني ولأي سيناريواتٍ مثل تجميده لقاء تعهّد بعد استخدامه، تَرتبط بـ «حبل النار» الذي لم تقطعه واشنطن وتل أبيب بعد بالكامل مع طهران الذي يتّصل بها الحزب بـ «حَبْلِ السرة» ويشكّل «خط الدفاع» الثقيل الأخير عنها والذي ترغب إسرائيل في «تحييده» قبل «إدارة الفوهات» مجدداً نحو إيران.
ولم يكن عابراً أن تَعتبر الأوساط نفسها أن لبنان لا يمكن وهو «يقيس» خطواته اللاحقة في ملف سَحْبِ السلاح، شمال الليطاني، أن يتغاضى عن واقعِ أنه بات وإن بطريقةٍ غير مباشرة في «عين الصقر» التي أطلقتها الولايات المتحدة في سوريا ضد «داعش»، وكرّر معها ترامب تفعيل استراتيجية «السلام عبر القوة» التي سبق أن لوّح بها قبل أيام تجاه حزب الله ايضاً حين قال إن دولاً عدة مستعدة للتحرك ضده «ولكن قلت ليس عليكم فعل ذلك، و(لكن) قد تضطرون».
«عصا وجزرة»
وفي الوقت الذي نقلت قناة «ام تي في» اللبنانية من واشنطن «أن الحديث بدأ يتزايد في العاصمة الأميركية عن ضرورة الانتقال من المواقف الكلامية إلى الفعل في حال أصر حزب الله على عدم نزع سلاحه. وثمة كلام على وجود بحث جدي بخطة عسكرية تشارك فيها الولايات المتحدة لتحقيق الهدف المتمثل بحصر السلاح»، رأت هذه الأوساط أن لبنان صار في قلب لعبةِ «عصا وجزرة»، أميركية وإسرائيلية، وهو يدرك ذلك تماماً، الأمر الذي جَعَلَه يقدّم تَراجُعاتٍ عميقة:
- سواء برفْع مستوى التمثيل داخل لجنة الميكانيزم الى دبلو – مدني بتكليف السفير السابق سيمون كرم رئاسة الوفد اللبناني.
- وصولاً إلى تسليم لبنان الضمني بآلية تَحَقُّق - رعت فرنسا إرساءها وتتبلور تباعاً – من حصر السلاح جنوب الليطاني وعدم إعادة حزب الله بناء ترسانته في هذه البقعة (كمرحلة أولى)، وتقوم على تولّي الجيش وبالتنسيق مع المكيانيزم ومواكبة «اليونيفيل» التدقيقَ في أيّ شكوى إسرائيلية، بما في ذلك داخل الممتلكات الخاصة وإن بعد موافقة باتت «حُكْمية» من أصحابها لأن البديل سيكون «مسْحها» من تل أبيب.
وساعَدَ هذا السلوك اللبناني على تزويد واشنطن بـ «عُدّة» ضغط على نتنياهو رجَّحَتْ كفّةَ تأخيرِ الضربة الموسّعة الإسرائيلية بانتظار أقلّه بلورةٍ واضحة لمعالم مرحلة شمال الليطاني.
وعبّر عن هذا الأمر موقف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وقوله «نأمل أن تفضي المحادثات بين السلطات اللبنانية والإسرائيليين إلى وضع خطوط عريضة وطريقة للمضي قدماً تحول دون تفاقم الصراع»، وأضاف: «لا نريد أن يستعيد حزب الله قدراته على تهديد إسرائيل ونأمل أن تكون في لبنان حكومة قوية وألا يعود الحزب للسيطرة على الجنوب، وسندعم الحكومة اللبنانية لنزع سلاحه».
وتَرافَقَ هذا الموقف مع ما نَقَلَتْه «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن مسؤولٍ أميركي لجهة وجود «مؤشراتٍ إيجابية في لبنان»، مشيراً إلى «أنّ الجيش اللبناني يزداد قوّة وتَحَسُّناً، والرئيس اللبناني جوزف عون إيجابي، ونأمل أن نقترب من مرحلةٍ لا يعود فيها حزب الله يُشكِّل تهديداً للبنان وإسرائيل، لكنّ هذا مَسارٌ وسيستغرق وقتاً»، قبل أن تشير الصحيفة في تقريرها (وليس نَقْلاً عن المسؤول) إلى «أنّ الموعدّ النهائي الذي حدّده الأميركيّون للبنان لنزْع سلاح الحزب يَنْتهي في نهاية الشهر الجاري، وإذا تأخّر الجيشُ اللبناني في تنفيذ مهمّته، فإنّ احتمال تَجَدُّد الحرب سيزداد».
وكان الاجتماعُ الثاني للجنةِ «الميكانيزم» في حضورِ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ظَهَّرَ أكثر فأكثر الفصلَ «على الأرض» بين المَساريْن العسكري، والدبلو- سياسي - اقتصادي، وإن مع «تَكامُلهما» على طاولة اللجنة التي بَلْورت سفارةُ الولايات المتحدة في بيروت بوضوح في بيانها عن الاجتماع وجودَ «جناحيْن» لها يعكسان واقعياً أنها «بقبّعتيْن».
اجتماع الناقورة
فقد أعلنت السفارة الأميركية «أنّ أعضاء لجنة الميكانيزم عقدوا اجتماعهم الخامس عشر في الناقورة لمواصلة الجهود المنسّقة دعماً للاستقرار والتوصّل إلى وقف دائم للأعمال العدائية». وأضافت: «انّ المُشاركين العسكريِّين قدّموا آخِر المستجدات العملياتية، وركّزوا على تعزيز التعاون العسكري بين الجانبَين من خلال إيجاد سبل لزيادة التنسيق. وأجمع المشاركون على أنّ تعزيز قدرات الجيش اللبناني، الضامن للأمن في قطاع جنوب الليطاني، أمر أساسي للنجاح. وفي موازاة ذلك، رَكَّزَ المشاركون المدنيّون على تهيئة الظروف للعودة الآمنة للسكان إلى منازلهم، دفع جهود إعادة الإعمار، ومعالجة الأولويات الاقتصادية. وأكّدوا أنّ التقدّم السياسي والاقتصادي المستدام ضروري لتعزيز المَكاسب الأمنية وترسيخ سلام دائم».
ولفتت السفارة إلى «أنّ المُشاركين أكّدوا مجدّداً أنّ التقدّم في المسارَين الأمني والسياسي يظلّ متكاملاً ويُعَدّ أمراً ضرورياً لضمان الاستقرار والازدهار على المدى الطويل للطرفَين، وهم يتطلّعون إلى الجولة الآتية من الاجتماعات الدورية المقرّرة في 2026».
وفي حين تَعقد الميكانيزم اجتماعَها الثالث بصيغتها «المحدّثة» في 7 يناير، لم يكن عابراً أن تتولّى إسرائيل «إغراقَ» جناحِها «المدني» بمزيدٍ من «التطوير»، عبر رفْع مستوى تمثيلها فيه إلى نائب رئيس مجلس الأمن القومي يوسي درازنين (مثّلها في الاجتماعين السابقين يوري ريسنك مسؤول السياسة الخارجية في المجلس نفسه)، قبل أن يعلن مكتب نتنياهو أنّ اجتماع اللجنة (الجمعة) «يأتي استكمالاً للحوار الأمني الهادف إلى ضمان نزع سلاح «حزب الله» على يَد الجيش اللبناني. وخلال الاجتماع نوقشتْ سُبُلُ تعزيز المشاريع الاقتصادية لإظهار المصلحة المشتركة في إزالة تهديد الحزب ولضمان أمنٍ مستدام لسكان جانبَي الحدود».
وإذ عَكَسَ هذا البيان إصرارَ تل أبيب على أن المسار العسكري لا يَحكمه تَفاوُضٌ بل «العصا» ما لم ينفّذ الجيش اللبناني قرار حكومة سلام بسحْب السلاح من كل لبنان وأن التركيز على الجانب الاقتصادي للمداولات يُخْفي محاولةً لترْك التفاوض السياسي لإطار خارج الميكانيزم وربما خارج الأراضي اللبنانية، عُلم في هذا السياق أنه خلال اجتماع اللجنة الجمعة رَفَضَتْ إسرائيل محاولة بيروت تحديد إطارٍ للتفاوض المدني ينطلق من أن تقدّم الأولى شيئاً مقابل خطوات «بلاد الأرز»، كأن تنسحب من إحدى النقاط التي تحتلّها وتوقف اعتداءتها وتطلق الأسرى.