في ذكرى التأسيس... قطر نموذج للاستقرار والوساطة والسلام
تحتفل دولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بذكرى تأسيسها على يد المؤسس، الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، وتُمثّل هذه الذكرى لشعب قطر مناسبة للتعبير عن قيم الولاء والانتماء وترسيخ الاعتزاز بالهوية الوطنية، والاحتفاء ببداية عهد النهضة والتأسيس لدولة قطر الحديثة والإنجازات التي تحققت، والتطلع إلى المستقبل الزاهر في ظل قيادتها الحكيمة.
يسرني، بهذه المناسبة السعيدة، أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى قائد مسيرة الإنجازات والتنمية، ورمز النهضة والتحديث والتقدم، وإلى الحكومة الرشيدة والشعب القطري الكريم.
تحتفل دولة قطر باليوم الوطني لهذا العام تحت شعار «بكم تعلو ومنكم تنتظر»، المقتبس من كلمة صاحب السمو أمير البلاد التي قدمها للشباب أثناء زيارته لجامعة قطر عام 2016، ويُجسّد هذا الشعار رؤية الوطن بأن بناء الإنسان هو أعظم استثمار لترسيخ نهضته واستدامة عطائه.
تحرص دولة قطر في سياستها الخارجية على ثوابت أساسية ومبادئ مستقرة تفي بالتزاماتها الدولية وشراكتها الفاعلة مع المجتمع الدولي. وترتكز هذه السياسة على الواقعية السياسية وتتبع نهج الحوار والدبلوماسية الوقائية ودعم الحلول التوافقية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية، كما تقوم قطر بلعب دور الوساطة في الأزمات الإقليمية والدولية، ولها سجل حافل في مجال الوساطة التي أصبحت مَعلماً بارزاً في الدستور القطري الذي أُقرّ في أبريل 2003.
دور الوساطة القطرية
تتسم الوساطة القطرية في حل النزاعات بالفعالية والتأثير لأنها تتبنى مبدأ الحياد تجاه الأطراف المختلفة في الصراعات بين الدول والمجموعات المتنازعة، كما تلعب دوراً مهماً كوسيط نزيه يسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. ويتمثل دور الوساطة القطرية في تقديم منصة محايدة للحوار بين الأطراف المتنازعة ما يسهل عملية التفاوض ويشجع على حل النزاعات بشكل سلمي.
وتضطلع قطر بدور محوري في حل الأزمات الإقليمية والعالمية، كالنزاعات الحدودية بين الدول والخلافات السياسية بين الدول والمجموعات المسلحة أو المعارضة من خلال المبادرات الدبلوماسية. وتعمل على التوسط لإيجاد حلول دبلوماسيةٍ بعيداً عن العنف والحروب، وتقدم مساعدات إنسانية ودعماً مقدراً لإعادة بناء المجتمعات المتضررة من الصراعات، ما يعزز عملية السلام. وبفضل علاقاتها الدولية الواسعة وحيادها الإيجابي تمكنت دولة قطر من لعب دور الوسيط النزيه والناجح في الكثير من النزاعات الإقليمية والدولية.
نجاحات الوساطة القطرية
احتلت الوساطة القطرية مكانة مرموقة وباتت موضع اهتمام عالمي، وتحولت الدوحة إلى مركز دولي لفض النزاعات في المنطقة والعالم، وفي الكثير من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، ولعبت دور الوساطة في صراعات ونزاعات مختلفة حول العالم. حيث حققت الوساطة القطرية خلال السنوات الماضية نجاحاً في إنهاء العديد من الأزمات وتسوية العديد من النزاعات داخل المنطقة وخارجها.
ساهمت قطر في توقيع عدد من اتفاقيات السلام حول العالم، من أبرزها: اتفاق الدوحة الخاص بلبنان، ووثيقة سلام دارفور بالسودان، والمصالحة بين جيبوتي وإريتريا، إضافة إلى جهود الوساطة في اليمن وأفغانستان وباكستان، والمفاوضات في شأن الملف النووي الإيراني، وتبادل الأسرى بين طالبان وأميركا.
واستفادت قطر من موقعها الدبلوماسي العالمي للتوسط في أزمات الرهائن الدولية والنزاعات الإقليمية، محافظة على دورها الحكيم والحيادي رغم التحديات الأمنية.
في نوفمبر الماضي، أعلنت قطر عن توقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين حكومة الكونغو الديمقراطية، وتحالف نهر الكونغو «حركة 23 مارس». ويمثّل الاتفاق إنجازاً مهماً جديداً ضمن مسار السلام الذي تسهّله دولة قطر، استناداً إلى زخم «إعلان مبادئ الدوحة» الموقَّع في يوليو 2025.
وفي أكتوبر الماضي، نجحت الوساطة القطرية المشتركة مع مصر والولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة حماس، إضافة إلى المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، بالرغم من محاولات إفشال الوساطة عبر هجمات إسرائيلية على أرضها.
وفي هذا الصدد، أود الإشادة بالدعم المستمر من قبل دولة الكويت الشقيقة، قيادةً وحكومةً وشعباً، لجهود الوساطة القطرية في الملفات الإقليمية والدولية، وإشادتها في المنابر المحلية والإقليمية والدولية بدور دولة قطر في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، معتبرةً أنّ العمل الدبلوماسي المشترك يسهم في تعزيز أمن واستقرار دول الخليج ومحيطها الإقليمي والعالم أجمع.
كما يتكامل دور البلدين من خلال التنسيق السياسي والسعي إلى التهدئة وتخفيف التوترات، بما يعكس رؤية خليجية مشتركة تقوم على الحكمة والدبلوماسية الهادئة.
كما نُثمّن عالياً إدانة الكويت، قيادةً وحكومةً وشعباً، للاعتداءين السافرين اللذين تعرضت لهما قطر خلال هذا العام، من قبل إيران وإسرائيل، والتعبير عن استعداد الكويت لتسخير كافة إمكاناتها وطاقاتها لدعم قطر، وتأكيدها على التضامن الكامل مع قطر في مواجهة أي اعتداءات، واعتبار أن أمن واستقرار قطر يعد جزءاً لا يتجزأ من أمن الكويت، ودعم كافة الإجراءات التي تتخذها دولة قطر لحفظ سيادتها وأمنها واستقرارها.
قطر واحة السلام
تُعبّر رؤية (قطر واحة السلام) عن الدور الذي تسعى قطر لتأديته كمنبر للحوار الدبلوماسي ووسيط لحل النزاعات الإقليمية والدولية. وبفضل مبادراتها الإنسانية واستضافتها للمفاوضات والفعاليات الدولية، تُطرح قطر اليوم كنموذج لدولة صغيرة الحجم كبيرة التأثير، تسعى لترسيخ السلام والتعاون بين الشعوب. وتلعب قطر دوراً بارزاً في جهود السلام إقليمياً ودولياً، وتُسهم في الجهود الإنسانية والتنموية في مناطق الأزمات لترسيخ التعايش السلمي.
ويعتمد دور قطر في إرساء دعائم السلم والأمن الدوليين على الدبلوماسية الهادئة والعلاقات المتوازنة والدعم الإنساني، ما جعلها منصة معترفاً بها للحوار وحل الخلافات سلمياً.
وفي شأن العلاقة مع دول الخليج، ترى قطر أن علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي تقوم على أسس الوحدة والتكامل والمصير المشترك، انطلاقاً من الروابط التاريخية والثقافية والاجتماعية التي تجمع شعوب المنطقة. وتؤكد دولة قطر أن مجلس التعاون الخليجي يمثّل إطاراً إستراتيجياً مهماً لتعزيز الأمن والاستقرار، ودفع التعاون الاقتصادي والسياسي والدفاعي.
وعلى المستوى الدولي، تتبنّى قطر سياسة خارجية تقوم على الانفتاح والتوازن وبناء الشراكات الدولية، وتسعى لإقامة علاقات متوازنة مع دول العالم كافة قائمة على الاحترام المتبادل، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، ودعم الحوار كوسيلة لحل النزاعات.
وتركز قطر على التعاون في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة والتعليم والوساطة الدبلوماسية والعمل الإنساني، ما جعلها شريكاً دولياً فاعلاً وموثوقاً به. كما تلعب دوراً بارزاً في المنظمات الإقليمية والدولية، وتعتمد دبلوماسية مرنة تُمكّنها من بناء علاقات قوية مع مختلف الدول.
تتمتّع قطر بموقع متقدّم في عدد من المؤشرات الدولية بفضل جهودها في التنمية الشاملة. وحقّقت مراكز رائدة في مؤشرات التنمية البشرية، والأمن، وتنافسية الاقتصاد. ويعكس هذا الأداء نجاح قطر في تبنّي سياسات تنموية مستدامة وتعزيز الابتكار، ما يدعم مكانتها كدولة ذات حضور قوي وفعّال على الساحة الدولية.
إن الإنجازات التي حققتها قطر في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والصحية والتعليمية وغيرها تعكس التكاتف والتلاحم بين القيادة الرشيدة والشعب المعطاء وترسم صورة زاهية لمستقبلٍ تسوده الرفاهية والتنمية والاستقرار.
ففي الشأن الاقتصادي، واصل الاقتصاد القطري أداءه الإيجابي، وتمكنت الدولة من الحفاظ على استقرار الاقتصاد وثقة المستثمرين. وتكشف المؤشرات عن أداء اقتصادي واعد يحافظ على وتيرة نمو قوية. وحققت الدولة قفزات نوعية في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والرفاه الاجتماعي إلى جانب تعزيز مكانتها كوجهة جاذبة للاستثمارات في القطاعات التنافسية كالتكنولوجيا والسياحة كما تولي قطر اهتماماً كبيراً لدعم وتحفيز القطاع الخاص.
وفي ذكرى اليوم الوطني، أود الإشادة بالعلاقات الأخوية التاريخية الراسخة بين قطر والكويت. ويشكّل هذا التنسيق السياسي القائم على الشراكة والتفاهم والحرص المشترك على أمن وسلامة المنطقة، أحد أبرز جوانب العلاقات بين البلدين من خلال التنسيق المستمر في القضايا الإقليمية والدولية، والزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، وعبر المشاورات الثنائية والتعاون الوثيق في المنظمات الإقليمية والدولية بما يعزز المصالح المشتركة. وتُعد اللجنة العليا المشتركة إطاراً مؤسسياً مهماً لتعزيز التعاون الثنائي وتنسيق الجهود. وعُقدت اجتماعات الدورة السادسة للجنة في الدوحة في فبراير الماضي وتم التوقيع على مذكرات تفاهم في مجالات عدة.
وتتميز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين قطر والكويت بالاستقرار والثقة والتعاون المستمر، ويشهد التبادل التجاري بين البلدين نمواً مستمراً، ويعمل البلدان عبر لجان خليجية وثنائية مشتركة لتسهيل التجارة وتنسيق السياسات الاقتصادية وزيادة الشراكات. وتُعد قطر مورّداً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال للكويت ما يجعل قطاع الطاقة أحد أهم ركائز العلاقات الاقتصادية.
وبهذه المناسبة، يسرني التأكيد على حرص قطر، أميراً وحكومةً وشعباً، على تقوية وتعزيز هذه العلاقات الوطيدة والمتميزة في كافة المجالات، في ظل القيادتين السياسيتين في كلا البلدين، سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد وأخيه سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وسمو ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، لما فيه خير ومصلحة الشعبين والبلدين الشقيقين، متمنياً لكلا البلدين مزيداً من التقدم والتطور والازدهار.
كما يُطيب لي أن أنتهز هذه الفرصة لأتقدم بجزيل الشكر لكل وسائل الإعلام، المقروءة والمرئية والمسموعة، بدولة الكويت الشقيقة، على ما تبذله من جهد مقدر في التغطية المتميزة لما يجري في بلدهم الثاني دولة قطر، وعلى الدور البناء الذي تقوم به في توطيد علاقات التعاون بين البلدين والشعبين، وتعزيز أواصر المحبة والإخاء لمصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، متمنياً لها التوفيق والنجاح في القيام بهذه المهمة لما فيه خير ونماء ومصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.
* سفير دولة قطر لدى الكويت