هل يَخضع جنوب الليطاني لآلية تَحَقُّق مزدوج: نزْع السلاح ومنْع عودته؟

لبنان «جاهِزٌ» لحصْر السلاح «بين النهرين»... بلا جدول زمني

الجيش اللبناني عثر على نفق في موقع استهدفته غارة إسرائيلية على بلدة تولين
الجيش اللبناني عثر على نفق في موقع استهدفته غارة إسرائيلية على بلدة تولين
تصغير
تكبير

- الاجتماع الثلاثي في باريس بحضور العماد هيكل اليوم... أهمية فوق عادية
- زيارة رئيس الوزراء المصري لبيروت... هل تدعّم مسار إفلات لبنان من الحرب؟
- عون: نعتمد على المواقف التي يتخذها ترامب واهتمامه بموضوع السلام ونعمل ما علينا في هذا الاتجاه

مع العَدِّ التنازُلي لنهايةِ سنةٍ انطبعتْ بتطبيقِ اتفاق وَقْفِ النارِ بين بيروت وتل أبيب بـ «النسخةِ الإسرائيلية» المُرْتَكِزَةِ على «المُلْحَق السِرّي» المتمثّل في «حرية الحركة» ضدّ «حزب الله» وما تَعتبره تهديداً لها، يَسعى لبنان على أكثر من مستوى لرفْد المساعي العربية - الدولية الرامية إلى تجنيبه تَجَدُّد الحرب مع بدايات 2026 بقوةِ دَفْعٍ تَضْمَن أقلّه التأجيل الثاني للتصعيد العسكري الذي بات وَهْجُه حاضراً وكفيلاً بِشَقِّ مساراتٍ سياسية – ديبلوماسية كما ميدانية على صعيد حصْر السلاح كان يُعتقد أنها شبه مستحيلة قبل وَضْعِ الدولة العبرية «المسدس على الطاولة».

وتزدحم الأجندة اللبنانية اليوم وغداً، بثلاث محطات بالغة الأهمية تتقاطع عند محاولاتِ توسيع الكوّة التي يُراهَن على أنها فُتحت في الجدار المُقْفَل الذي كان يَشي قبل أسابيع قليلة بأن الحربَ الأوسع قاب قوسين أو أدنى، وهي:

* زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لبيروت اليوم، في تتويج لانخراط القاهرة في عملية احتواءِ «العاصفة الآتية» وإبطائها والسعي لتحويل اتجاهها، والتي بدأت مع مدير المخابرات حسن رشاد ثم وزير الخارجية بدر عبد العاطي.

* الاجتماع الفرنسي – الأميركي – السعودي الذي تَستضيفه باريس اليوم، بمشاركة قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل وسيَبْحث آفاقَ مؤتمر دعم المؤسسة العسكرية المربوط حُكْماً بملف سحب سلاح «حزب الله».

جنوب الليطاني

وسيَسمع الحاضرون من هيكل خلاصةَ ما حقّقه الجيش جنوب الليطاني على صعيد تفكيك ترسانة الحزب على مرمى 13 يوماً من انتهاء المهلة التي حدّدها لإنجاز هذه المهمة في الخطة التنفيذية لقرار حصر السلاح بيد الدولة التي تبنّتها الحكومة (5 سبتمبر).

كما يُنتظر أن يطلّ قائد الجيش اللبناني على «اليوم التالي» لجنوب الليطاني أي شمال النهر في ضوء التعاطي مع المرحلة الأولى على أنها شبه مُنْجَزة ويَبقى «الإعلانُ الرسمي» الذي يَقْتَضي وضوحَ الرؤية من لبنان الرسمي حيال كيفية تحقيق هذا «الانتقال الآمِن» دون استدراج صِدام مع «حزب الله»، وفي الوقت نفسه بلا منْح إسرائيل «ذريعة» لتعميق اتهاماتها بأن بيروت عاجزة عن المضيّ في سَحْب السلاح ما يستوجب تَدَخُّلَ تل أبيب «بِيَدِها».

* الاجتماعُ الثاني الذي تَعقده غداً في الناقورة اللجنةُ الخماسيةُ للإشراف على تطبيق اتفاق 27 نوفمبر 2024 بصيغتِها المعزَّزَة برئيسٍ للوفد اللبناني برتبةٍ «دبلو - مدنية» هو السفير السابق سيمون كرم وبشخصيةٍ دبلو - أمنية إسرائيلية هي يوري ريسنك المسؤول عن ملف السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي.

ويَكتسب هذا الاجتماع أهمّيته، إلى جانب تَرَقُّب احتمالِ أن تشارك فيه الموفدةُ الأميركيةُ مورغان أورتاغوس والموفد الفرنسي جان - إيف لودريان اللذان سيحضران لقاء باريس الثلاثي، كونه سيظهّر قابليةَ إسرائيل لملاقاةِ لبنان بخطوةٍ ما، على صعيد الانسحاب مثلاً من إحدى النقاط المحتلة جنوباً، بما يساعد في «تدشين» مرحلة شمال الليطاني وإثبات «جدوى» الخيار الديبلوماسي، أم أن تل أبيب ستتمسك بفصل المساريْن التفاوضي مع الحكومة اللبنانية والعسكري مع حزب الله، باعتبار الأول منصّة لترتيبِ مرحلة ما بعد «الحزب المسلّح» على المستويات الاقتصادية المتشابكة مع الأمنية (عبر طرح المنطقة الاقتصادية العازلة) كما السياسية ربما.

مساران متوازيان

وعشية هذه الاستحقاقات، ارتسم مساران متوازيان بديا في إطار إسناد جهود إبعادٍ جديدٍ لـ «كأس» الحرب:

* الأول عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي أكد بعد استقباله السفير كرم وإعطائه توجيهاته في ما خص اجتماع «الميكانيزم» غداً «اننا نعمل من خلال التفاوض على تثبيت الأمن والاستقرار خصوصاً في الجنوب، والتفاوض لا يعني استسلاماً، ونحن نعتمد على المواقف التي يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب واهتمامه بموضوع السلام، ونعمل ما علينا في هذا الاتجاه»، مشيراً إلى «انني كرئيس للجمهورية، سأسلك أي طريق يقودني الى مصلحة لبنان، والمهمّ في ذلك إبعاد شبح الحرب وإعادة الإعمار وتثبيت الناس في أرضهم وانعاش لبنان اقتصاديا وتطوير دولته».

وشدد على ضرورة نقل الاغتراب الصورة الحقيقية عن لبنان في الخارج، «لأنه وللأسف، فإن البعض من اللبنانيين فيه ينقلون الصورة السيئة»، معتبراً «أن من يسوّق للحرب انفضحت لعبته لأن ثمة من يعيش على نفَس الحرب لإجراء الانتخابات على أساسها»، ومتسائلاً «هل يجوز لهذا البعض أن يشوّه الصورة الحقيقية ويبث الاشاعات ويخيف اللبنانيين ويطلب الحرب كرمى مصلحته الانتخابية فيما علينا التمسك بحسنا ومسؤوليتنا الوطنية في هذا الظرف الدقيق الذي نمر به؟».

وطمأن الى ان الوضع في لبنان جيد «وزيارة البابا أعطت صدى إيجابياً (...) ورغم ذلك، فان ثمة مَن يتحدث بسلبية عن لبنان ويجيش للحرب فيه».

* والثاني المؤشراتُ إلى أن لبنان الرسمي ربما يَعْمَد، بعد تقديم الجيش اللبناني تقريره الذي يُفترض أنه الأخير عن مرحلة جنوب الليطاني في 5 يناير أو 6 منه، لإعلان الانتقال إلى شماله مع «ربط نزاع» دبلوماسي مع إسرائيل حيال النقاط التي مازالت تحتلّها، وذلك بعدما كان طغى في الأيام الأخيرة الكلام عن إمكان تمديد المرحلة الأولى من خطة الجيش لأسابيع قليلة، بغطاءٍ خارجي، ريثما يكون تَبَلْوَرَ الأفقُ التنفيذي لسحب السلاح ما بعد جنوب النهر، خصوصاً في ضوء الـ «لا» الكبيرة من «حزب الله» للمساس بترسانته في سائر مناطق لبنان، وبما يُعطي «فرصة» لتأجيلٍ ثان للحرب.

وبدا من الصعب الجزم حيال أيّ من الاتجاهين سَيرْسو عليه خيار الحكومة بعد مطلع السنة، وسط التعاطي مع كلامٍ لافتٍ لنائب رئيس الحكومة طارق متري عن المرحلة الثانية بعد جنوب الليطاني على أنها قد تكون تعبيراً عن محاولةٍ لـ «إمساك العصا من الوسط»، على قاعدة عدم إخراج «حزب الله» عن طوره، وفي الوقت نفسه تفادي إغضاب إسرائيل وتزويد الإدارة الأميركية بـ «عُدّة» ضغط إضافية على تل أبيب للجم توثُّبها للحرب.

فقد أعلن متري خلال المؤتمر السنوي لمركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط من بيروت ان «الجيش اللبناني جاهز للانتقال إلى المرحلة الثانية من حَصْر السلاح بيد الدولة وذلك من دون جدول زمني على أن تمتدّ هذه المرحلة من نهر الليطاني إلى نهر الأوّلي».

ورأت أوساطٌ سياسية أن هذا الكلام ينطوي على ملاقاةٍ ضمنية للمبادرة المصرية التي كانت تكشّفت بعض معطياتها خلال زيارة عبد العاطي لبيروت لجهة الدفع نحو سحب سلاح «حزب الله» من منطقة ما بين النهرين أي من شمال الليطاني الى جنوب الأولي، حيث يسود اعتقادٌ أن الحزب أقام خطّه الدفاعي الجديد على تخوم هذه المنطقة.

«آلية التحقق»

ولم يقلّ دلالةً بروز ملامح إضافية لآليةٍ يُراد أن تَحْكم مرحلة ما بعد جنوب الليطاني والتي باتت تُعرف بـ «آلية التحقق» من نزْع السلاح، في ظل تَكَشُّف أن ما يُعمل عليه في هذا الإطار هو صيغة لضمان أمرين: الأول أن يكون الجيشُ أَنْجَزَ فعلياً مَهمته بسحْب السلاح، والثاني ألا يعاود «حزب الله» بناء ترسانته ويستعيد عافيته عسكرياً في تلك المناطق.

وفي هذا السياق توقّفت الأوساط عند ما نقلتْه قناة «الحدث» عن مصدر دبلوماسي فرنسي بَلْوَرَ واقعياً ما أعلنه وزير خارجية بلاده جان - نويل بارو عن أن باريس«تعمل على آلية جديدة لمتابعة نزْع سلاح حزب الله».

فقد أكد المصدر الفرنسي «أن القيودَ الأميركية أخيراً على الضربات الإسرائيلية هي في سوريا وليس في لبنان»، معلناً«تريد تجنيب لبنان تصعيداً إسرائيلياً جديداً»، ومؤكداً«أن حزب الله سيسعى لإعادة التسلح».

وشدد على«أننا نعمل على تأكيد أن الجيش اللبناني يفعل ما يقوله، واقترَحْنا مواكبةَ قوةٍ من اليونيفيل للجيش خلال نزع سلاح حزب الله»، موضحاً«أن سلاح شمال الليطاني سيؤدي لتعقيدات أكبر من تلك الموجودة جنوباً»، ولافتاً إلى «أن على لبنان تقديم رواية مغايرة للرواية الإسرائيلية الخاطئة بألّا تقدم بنزع سلاح حزب الله».

وفي إطار متصل، قام الجيش اللبناني بالكشف على موقع سبق للجيش الإسرائيلي أن استهدفه في بلدة تولين وذلك بعدما زعمت تل أبيب عبر لجنة «الميكانيزم» وجود نفق لـ«حزب الله» أو منشأة عسكرية تابعة له.

وقد استقدم الجيش حفّاراتٍ لتفتيش الموْقع وعَثَرَ على مدخلٍ يؤدي إلى غرفة صغيرة خالية من الذخائر والعتاد، وانتظر في المكان وصول قوة من «اليونيفيل» للتحقق من نتيجة الحفر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي