مسرح يبحث عن نفسه

صالح الدويخ
صالح الدويخ
تصغير
تكبير

بعد خمسة وعشرين دورة من عمر مهرجان الكويت المسرحي، كان لي شرف ترؤس المركز الإعلامي في يوبيله الفضي، وهي تجربة أعتز بها لا من باب المنصب، بل من باب الثقة، ثقة أقدّرها عالياً من القائمين على هذا المهرجان العريق، وعلى رأسهم الأستاذ مساعد الزامل الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكذلك الدكتور شايع الشايع مدير المهرجان اللذان منحاني مساحة عمل واحترام قرار، وهو أمر أثمّنه كثيراً في العمل الثقافي.

ما شدّ انتباهي، وربما أقلقني، هو ما دار في الندوات الفكرية التي احتضنها المركز الإعلامي، حين اجتمع نخبة من الأكاديميين والدكاترة والمتخصصين العرب في المسرح أغلبهم كان محبطاً من حال المسرح العربي.

السؤال الذي تكرّر بصيغ مختلفة كان صادماً وبسيطاً في آن واحد... لماذا ما زلنا نلهث خلف النصوص الغربية؟ لماذا نترجم ونُعرّب ونُجمّل، ونُعيد تدوير أفكار ليست نابعة من بيئتنا، بينما نملك إرثاً حضارياً وإنسانياً وثقافياً لا تملكه أمم كثيرة؟ حضارات، أساطير، حكايات، ملاحم، وشخصيات قادرة على إنتاج مسرح عالمي لو أُحسن التعامل معها بجرأة وثقة.

تحدثوا أيضاً عن «السقف» المفروض على المسرح، سقف لا يُرى لكنه حاضر بقوة. وكأن «أبو الفنون» بدأ يفقد صوابه، فأُصيب بما يشبه ألزهايمر الثقافي، ليُفرض عليه نوع من الوصاية: ماذا يقول؟ كيف يقول؟ وإلى أيّ مدى يذهب؟ وصاية تُفرغ المسرح من أحد أهم أدواره.

ومن النقاط اللافتة أيضاً، ذلك التحوّل في نظرة النخبة نفسها، كثير من المتحدثين أقرّوا بأن المسرح النخبوي ابتعد، ربما من دون قصد، عن الإنسان العادي وعن همومه البسيطة وعن حاجته للضحك وللتنفيس، للفرح الموقت وسط ضغوط الحياة. لذلك، وجدوا أن التهجين الحاصل اليوم بين المسرح الجماهيري والمسرح النوعي ليس عيباً، بل ضرورة.

ما خرجت به من هذه التجربة، أن المسرح العربي يعاني ارتباكاً في الثقة، ثقة بالنص المحلي، وبالإنسان العربي، وبحق المسرح أن يكون مرآة صادقة، لا صورة خاضعة للتجميل.

مهرجان الكويت المسرحي، بما يتيحه من حوار واختلاف وطرح، يظل مساحة مهمة لكشف هذه الأسئلة، وربما لا نملك الإجابات الآن، لكن مجرد طرحها بصدق، هو أول خطوة في طريق طويل... طريق يحتاج شجاعة أكثر مما يحتاج تصفيقاً.

نهاية المطاف: المسرح مرآتنا... وكلّما ضيّقناها صغرت صورتنا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي