كانت المسيطرة على الطيران الدولي الأميركي

كيف سقطت «بان آم»؟ دروس من انهيار أيقونة الطيران العالمي

تصغير
تكبير

- النجاح الماضي لا يضمن البقاء... والأخطاء الإدارية تجاه تغيرات السوق يُمكن أن تُسقط أعظم العمالقة
- «بان آم» استثمرت بشكل مفرط في أسطول الـ 747 الضخم الذي يستهلك كميات هائلة من الوقود
- العيب الهيكلي القاتل افتقارها إلى شبكة نظام أساسي لجمع وتوجيه الركاب داخلياً

في تاريخ الأعمال والطيران، لا يوجد اسم يُثير الحنين والإجلال مثل «بان أمريكان وورلد إيرويز» (Pan American World Airways)، أو كما عُرفت عالمياً بـ «بان آم».

لم تكن «بان آم» مجرد شركة طيران، بل كانت رمزاً للقوة الأميركية، والرقي، ونافذة العالم نحو المستقبل. كانت خطوطها الجوية هي من افتتحت عصر الطيران العابر للقارات، وهي مَنْ أدخلت «بوينغ 747 (Jumbo Jet)» إلى الخدمة التجارية بحسب ما ورد في كتاب «Pan Am: An Aviation Legend». ولكن، خلف هذا المجد اللامع، كانت هناك حقيقة مؤلمة وهي أن النجاح الماضي لا يضمن البقاء، وأن الأخطاء الإدارية والعمياء تجاه تغيرات السوق يمكن أن تُسقط حتى أعظم العمالقة. قصتها التي انتهت بإعلان الإفلاس في ديسمبر 1991، هي دراسة حالة شاملة في عالم الأعمال.

صعود الأسطورة

تأسّست «بان آم» في عام 1927، وسرعان ما أصبحت الذراع غير الرسمية للسياسة الخارجية الأميركية في مجال النقل الجوي. وبفضل الدعم الحكومي والمسارات الحصرية، سيطرت الشركة على الطرق الدولية المربحة. كانت «بان آم» رائدة في تقديم تجربة السفر الفاخرة، حيث كان الركاب يُعاملون كشخصيات ملكية.

وفي الستينيات، كانت الشركة في أوج مجدها، تدير شبكة تغطي جميع قارات العالم، وكان العمل كطيار أو مضيفة طيران في «بان آم» حلماً للكثيرين. هذا النجاح بني على حقيقة واحدة ألا وهي: السيطرة شبه المطلقة على الطيران الدولي الأميركي.

لكن على الرغم من النجاح الظاهري، بدأت المشاكل تتراكم بهدوء. كان أول تحذير كبير في السبعينيات مع صدمة النفط العالمية عام 1973. كانت «بان آم» قد استثمرت بشكل مفرط في أسطول الـ 747 الضخم، الذي كان يستهلك كميات هائلة من الوقود، بحسب تحليلات ومقالات نشرت في «Aviation Week & Space Technology» خلال الفترة 1973-1975. أدت الزيادة المفاجئة في أسعار الوقود إلى تضخيم تكاليف التشغيل وجعل العديد من رحلاتها غير مربحة.

لكن الضربة القاصمة جاءت في عام 1978 مع إلغاء القيود الحكومية على الطيران الأميركي (Airline Deregulation Act). قبل هذا القانون، كانت الحكومة تحمي «بان آم» بمنحها المسارات الدولية الحصرية، مما يضمن تدفقاً ثابتاً للإيرادات. بعد إلغاء القيود، سُمح لجميع شركات الطيران الأميركية الأخرى (مثل يونايتد ودلتا) بالتنافس مباشرة على هذه المسارات.

الخطأ القاتل

كان العيب الهيكلي القاتل في «بان آم» هو افتقارها إلى شبكة نظام أساسي لجمع وتوجيه الركاب داخلياً لملء الرحلات الدولية الطويلة المدى والمربحة. كانت الشركات المنافسة تنقل المسافرين من مئات المدن الأميركية الداخلية مباشرة إلى مطاراتها الدولية، بينما كان على «بان آم» أن تعتمد على ترتيبات معقدة ومكلفة مع شركات أخرى لجلب الركاب إليها.

في محاولة يائسة لسد هذه الفجوة، ورد في كتاب «The Fall of Pan Am: A Corporate Strategy Perspective»، أن «بان آم» اشترت شركة «ناشيونال إيرلاينز»، ولكن الاندماج كان كارثياً، بسبب التضارب الثقافي والمشاكل التشغيلية، فشل الاندماج في تحقيق الهدف المرجو منه، واستنزف المزيد من موارد الشركة.

النهاية الدرامية

في ظل التدهور المالي، اضطرت «بان آم» إلى بيع أغلى أصولها تدريجياً، بما في ذلك فندقها الشهير في نيويورك، ومساراتها المربحة عبر المحيط الهادئ إلى شركة يونايتد إيرلاينز، كما نقل موقع «Alibaba».

لكن المسمار الأخير في نعش الشركة كان في عام 1988، عندما تعرضت رحلتها رقم 103 للتفجير فوق بلدة لوكربي في إسكتلندا. أدت هذه الكارثة إلى مقتل 270 شخصاً، وتسبّبت في نزيف مالي هائل للشركة بسبب مطالبات التعويض، والأهم من ذلك، تدمير ثقة الجمهور في أمان الشركة. لم تستطع «بان آم» أن تتعافى من هذه الضربة المالية والمعنوية، وأعلنت إفلاسها في 4 ديسمبر 1991، نقلاً عن موقع «بريتانيكا».

فشل التكيف مع الواقع الجديد

إن قصة «بان آم» هي تذكير مؤلم بأن كونك رائداً أو رمزاً لا يضمن لك البقاء. ففي النهاية، تسقط العمالقة ليس بسبب المنافسة فقط، بل بسبب الفشل في التكيف مع الواقع الجديد للسوق.

الدروس المستفادة

تقدم قصة «بان آم» عدة دروس لا تقدّر بثمن لشركات اليوم، خصوصاً تلك التي تعتمد على تكنولوجيا متغيرة أو حماية حكومية:

• لا تعتمد على الحماية الخارجية: الاندماج والانسحاب الحكومي (إلغاء القيود) يُظهر أن الشركات التي تعتمد على حماية حكومية أو مسارات حصرية يجب أن تكون مستعدة للمنافسة المفتوحة في أي لحظة، بالتالي لابد من التركيز على الكفاءة التشغيلية وليس الامتيازات.

• كن مرناً مع التكاليف الثابتة: التوسع المفرط في الأسطول الضخم (747) في وقت كانت فيه تكلفة الوقود متقلبة هو خطأ استراتيجي. بالتالي، يجب أن تكون الهياكل التكليفية للشركة مرنة وقادرة على الصمود أمام الصدمات الخارجية (كأزمات النفط).

• الأصول الأساسية يجب أن تكون مترابطة: كان افتقار «بان آم» إلى شبكة داخلية يغذي مساراتها الدولية نقطة ضعف هيكلية. الدرس المستفاد هنا أنه كان يجب أن تكون جميع مكونات نموذج العمل متكاملة وتدعم بعضها البعض استراتيجياً.

• الأزمة تتطلّب سيولة: على الرغم من أن لوكربي كانت ضربة خارجية، إلا أن الشركة لم تكن لديها القدرة المالية على تحمل التكاليف الضخمة الناجمة عنها، لأنها كانت تبيع أصولها لتسديد ديون قائمة. بالتالي، كان يجب الحفاظ على احتياطي نقدي قوي لمواجهة الأحداث «غير المتوقعة» المدمرة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي