وسط تطور الإطار التشريعي ومشاريع حكومية كبيرة قيد التخطيط والتنفيذ

الكويت تدخل المستقبل القريب بمؤشرات اقتصادية تضعها على مسار نمو... أكثر اتساعاً

تصغير
تكبير

- البلاد تحتفظ بأساس سيادي يُعدّ من أقوى المراكز المالية بالمنطقة
- خفض الفائدة يزيد جاذبية التمويل للشركات ويعزّز فرص النمو
- «الرهن العقاري» يُخفّض تركّز القروض الضخمة لشركات محدودة  لصالح آلاف الأفراد

تدخل الكويت المستقبل القريب مزودة بجملة مؤشرات اقتصادية يمكن أن تضعها على مسار نمو أكثر اتساعاً مقارنة بالسنوات الماضية، خصوصاً مع تطور الإطار التشريعي للمالية العامة ووجود مشاريع حكومية كبيرة قيد التخطيط والتنفيذ.

ورغم أنّ وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أبقت في أحدث تقاريرها نظرتها للقطاع المصرفي في الشرق الأوسط 2026، ضمن نطاق «المحايد»، فإن قراءتها الخاصة بالكويت تعكس مجموعة عوامل قد تمنح الاقتصاد قدرة أعلى على تسريع الائتمان، بما يتجاوز نطاق التوقعات الأساسية البالغة نحو 7 و8 %.

هذه النظرة ليست ناتجة عن تغيرات خارجية فقط، بل ترتبط بوضوح أكبر في المسار المالي للدولة بعد إقرار قانون التمويل والسيولة، وبالتوقعات المتعلقة بملف الإسكان والمشاريع الحكومية الكبرى التي تتصل مباشرة بقدرة البنوك على التوسّع في الإقراض. كما تُظهر التقديرات أن النمو الحقيقي للناتج المحلي قد يبلغ نحو 2.7 % عام 2026، وهو معدل يظل مرتبطاً بمدى سرعة تفعيل المحفزات التالية.

أولاً: الأساس السيادي والمالي

تحتفظ الكويت بواحد من أقوى المراكز المالية السيادية في المنطقة، وهو عنصر لا يمكن تجاهله عند تقييم آفاق النمو. حيث يشير تحليل المؤسسات الدولية إلى أن الدولة تتمتع باحتياطيات خارجية كبيرة ومستويات دين منخفضة نسبياً، إضافة إلى أصول استثمارية ضخمة توفر هامش حماية واسعاً في مواجهة صدمات أسعار النفط أو تقلبات الأسواق العالمية.

هذا الأساس السيادي ينعكس مباشرة على البيئة التشغيلية للبنوك، التي تستفيد من مستوى الثقة العالية والاستقرار المالي. ومن زاوية تحليلية، لا يكفي الاستقرار وحده للتنبؤ بدورة نمو ائتمانية جديدة، لكنه يوفّر الظروف المسبقة الضرورية كي تستجيب البنوك لأي تحوّل في الطلب على التمويل، سواء من الدولة أو القطاع الخاص.

في هذا السياق، يمثّل قانون الدَين العام خطوة مؤسسية مهمة، لاسيما وأن دوره يتجاوز سد الاحتياجات التمويلية قصيرة الأجل، إذ إنه يؤسس لآلية تمويل أكثر انتظاماً للمشاريع الحكومية. فعندما تكون الصورة واضحة حول قدرة الدولة على الاقتراض والتخطيط المالي، يقلّ تذبذب الإنفاق الرأسمالي، ما يعزّز قدرة البنوك على وضع خطط إقراض أكثر استقراراً ويحدّ الضغوط على السيولة المحلية.

بهذا المعنى، لا يشكّل القانون مجرد تعديل تشريعي، بل إعادة ترتيب للإطار المالي الذي تعتمد عليه البنوك لتقييم المخاطر المستقبلية، خصوصاً في ما يتعلق بمشاريع البنية التحتية والمشاريع الاستثمارية الحكومية.

ثانياً: محركات النمو المحتملة

تقدّر «فيتش» أن نمو الائتمان في الكويت قد يصل 7 و8 % عام 2026، لكن التقرير يشير أيضاً إلى إمكانية تجاوز هذه الحدود إذا تم تفعيل مجموعتين من العوامل وهما:

1 - قانون الرهن العقاري:

يُعد ملف الإسكان واحداً من أكثر الملفات تأثيراً على الاقتصاد الكويتي، حيث أدى الاعتماد الكبير على الدولة في التمويل السكني إلى محدودية دور القطاع المصرفي. وبمجرد صدور قانون الرهن العقاري بصيغته النهائية، يتوقع أن يشهد السوق عدة تحولات، أبرزها:

• زيادة طلب التمويل طويل الأجل، إذ سينتقل جزء من تمويل الوحدات السكنية من الدولة إلى البنوك ضمن أطر تنظيمية واضحة، الأمر الذي يخلق طلباً مستقراً يمكن التنبؤ به.

• تحسين هيكل محافظ القروض، لأن القروض السكنية عادة تكون مضمونة بأصول ملموسة، ما يجعلها أقل تقلباً مقارنة بقروض الشركات الكبرى.

• تنشيط الأنشطة المرتبطة بالعقار، بما في ذلك المقاولات والبناء والخدمات المهنية، ما ينعكس على نمو الائتمان التجاري أيضاً.

مع ذلك، يبقى تأثير القانون مرتبطاً بتفاصيله التنظيمية المتمثلة بآليات الضمان، مستويات الدعم، سقوف الفائدة، وتوزيع الأدوار بين الدولة والبنوك. أي تقدير دقيق لتأثيره يتطلب صدور الصيغة التنفيذية، لكن الاتجاه العام يشير إلى تحسّن هيكلي إذا طُبق بصورة متوازنة.

2 - المشاريع التنموية الكبرى:

ترتكز رؤية الكويت 2035 على مجموعة مشاريع كبرى في البنية التحتية والطاقة والقطاعات اللوجستية والتكنولوجية. والتي تحتاج نماذج تمويل معقدة، وغالباً ما تعتمد على تمويل المشروع، الذي يشكّل بيئة مناسبة للبنوك لزيادة محفظة الإقراض طويل الأجل.

وتتخذ العلاقة بين المشاريع الكبرى والائتمان شكلين رئيسيين هما:

• التمويل المباشر عبر قروض مشتركة أو ترتيبات تمويل خاصة بالمشروع.

• التمويل غير المباشر عبر سلاسل الإمداد، أي زيادة الطلب على التمويل من قبل المقاولين والموردين والشركات المرتبطة بتنفيذ المشاريع.

وإذا تزامن ذلك مع اتجاه عالمي نحو انخفاض تدريجي في أسعار الفائدة، سيكون التمويل أكثر جاذبية للشركات، ما يعزّز فرص النمو الائتماني.

ثالثاً: إدارة المخاطر:

يواجه القطاع المصرفي الكويتي تحدياً يتمثل في تركّز المخاطر، سواء على مستوى المدين الواحد أو القطاع الواحد، خصوصاً في العقار والإنشاءات. وهذه السمة الهيكلية ليست جديدة، لكنها اكتسبت أهمية أكبر مع توسع حجم القروض عبر السنوات.

ومن منظور اقتصادي، لا يكفي نمو الائتمان لتحقيق التوازن المالي للمصارف؛ بل يجب أن يكون النمو موزعاً على قاعدة متنوعة من المقترضين. وهنا يأتي دور الرهن العقاري والمشاريع التنموية، ليس فقط كقنوات لزيادة الإقراض، بل كأدوات لتوزيع المخاطر على شرائح أوسع تشمل:

• الرهن العقاري الذي يخفّض التركّز على قروض ضخمة لشركات محدودة لصالح آلاف المقترضين الأفراد.

• المشاريع التنموية التي تخلق قطاعات جديدة قابلة للتمويل، مثل الخدمات اللوجستية والتقنية والطاقة المتجددة، ما يسمح بزيادة التنوع القطاعي لمحفظة القروض.

بين الإمكانات والاختبار التنفيذي.. آفاق الاقتصاد تحمل قدراً واضحاً من الإيجابية

الصورة العامة لآفاق الاقتصاد الكويتي تحمل قدراً واضحاً من الإيجابية تتمثل بوجود قاعدة سيادية قوية، نظام مصرفي يتمتع بسيولة جيدة وربحية مستقرة، وإصلاحات تشريعية تعزّز القدرة على التخطيط المالي. كما أن المشاريع الحكومية المرتقبة والرهن العقاري يمكن أن يتحولا إلى محركات رئيسية لنمو الائتمان.

ومن المرجح أن يدخل الاقتصاد دورة أكثر نشاطاً، وأن يتجاوز نمو الائتمان السقوف الحالية المتوقعة، والنقطة الجوهرية أن الأسس موجودة، لكن العائد يعتمد على كيفية استثمارها للنمو الفعلي المستدام.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي