أبرز خفايا انسحاب إيران من سوريا قُبيل سقوط الأسد

تصغير
تكبير

سحبت إيران بعثتها الدبلوماسية وقواتها من سوريا قبل يومين من الإطاحة بحكم حليفها بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، وفق ما أفادت ثلاثة مصادر متطابقة «فرانس برس».

وقبل عام، وصلت فصائل من المعارضة بقيادة الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع إلى دمشق، بعد هجوم مباغت انطلق من معقل المعارضة آنذاك في ريف إدلب، شمال غربي البلاد، ونجح خلال أيام بالإطاحة بالأسد الذي حكمت عائلته البلاد بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.

وكانت طهران أبرز داعمي الأسد خلال سنوات النزاع (2011 - 2024)، إذ نشر الحرس الثوري مستشارين وقوات في الميدان، وكذلك انتشرت مجموعات موالية لها أبرزها «حزب الله» ومجموعات عراقية وأفغانية، لمساندة القوات الحكومية. وقاتل عناصر هذه المجموعات بضراوة وكانوا يمسكون بمحاور قتالية أساسية.

إحراق وثائق

وقال ضابط سوري سابق عمل في أحد المقرّات الأمنية التابعة للحرس الثوري في دمشق لـ «فرانس برس» من دون كشف هويته خوفاً على سلامته، إنه تلقّى اتصالاً من قيادته الإيرانيّة في 5 ديسمبر 2024، أي قبل 3 أيام من سقوط الحكم السابق، طلبت منه فيه التوجّه إلى مقرّ العمليات في حيّ المزة فيلات شرقية في العاصمة صباح الجمعة 6 ديسمبر 2024 بسبب «أمر هام».

وأوضح أن القائد الإيراني المسؤول عن المجموعة حينها، والمعروف باسم الحاج أبوإبراهيم، أبلغ الحاضرين من ضباط وجنود سوريين يخدمون تحت إمرة الإيرانيين وعددهم نحو 20 شخصاً، فور وصولهم بأنه «بعد اليوم لن يكون هناك حرس ثوري إيراني في سوريا»، مضيفاً في خبرٍ، كان له وقع الصاعقة عليهم «نحن مغادرون».

وطلب المسؤول الإيراني، وفق الضابط، من العناصر «إحراق وثائق حساسة وتلفها أمامه، وسحب جميع الأقراص الصلبة من الحواسيب».

«لن نكون مسؤولين عنكم»

وبعدها تم إبلاغ الضباط بأن «كل شيء انتهى، ولن نكون مسؤولين عنكم بعد اليوم، وستصلكم هوياتكم المدنية بعد أيام».

وتابع الضابط «بدا الأمر وكأنه معدّ مسبقاً. لكنه كان مفاجئاً لنا. كنّا نعرف أن الأمور ليست على ما يرام، لكن ليس إلى هذا الحد»، في وقت كانت السلطة السابقة تتكبّد خسارات متتالية على الأرض من حلب وصولا إلى حماة.

وتلقى الضابط ورفاقه راتب شهر مسبق، قبل أن يتفرّق شملهم ويعودوا مذهولين إلى منازلهم. بعد يومين، انهار الحكم فجر الثامن من ديسمبر، وفرّ الأسد.

انسحاب شامل

وفي رواية متقاطعة، قال موظفان سوريان سابقان في القسم القنصلي في السفارة الإيرانية في دمشق إنَّ القنصلية أُخليت بالكامل مساء الخامس من ديسمبر 2024. وغادرت البعثة الدبلوماسية البلاد متجهةً إلى بيروت، بينما أُبلغ الموظفون السوريون بـ«ملازمة منازلهم»، وصُرفت لهم رواتب ثلاثة أشهر مقدماً.

وقال موظف لم يكشف عن هويته إنَّ عدداً من زملائه السوريين الذين «يحملون جنسية إيرانية غادروا معهم ليلاً وبرفقتهم ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني».

وكانت مكاتب السفارة والقسم القنصلي وجميع المراكز الأمنية الإيرانية خالية تماماً في اليوم التالي.

لبنان وحلب

وتشير شهادات سائقين وموظفين على الحدود السورية - اللبنانية في تلك الفترة إلى ازدحام غير مسبوق شهده معبر جديدة يابوس - المصنع يومي الخميس والجمعة، إذ تطلب العبور انتظار ثماني ساعات.

وداخل قاعدة شكّلت غرفة عمليات رئيسية للقوات الإيرانية جنوب مدينة حلب، يقول العقيد محمّد ديبو من وزارة الدفاع السورية لـ«فرانس برس»: «بعدما سقطت حلب، لم تقاتل إيران في مكان آخر»، مضيفاً «اضطرت للانسحاب بشكل مفاجئ بعد الانهيار السريع».

ويشير إلى تنفيذ «ثلاثة انغماسيين» من الفصائل التي قادتها «هيئة تحرير الشام»، هجوماً حصد قتلى إيرانيين في بداية الهجوم على حلب.

وشكّل القسم الغربي من المدينة مركز ثقل للقوات الإيرانية وقواعدها العسكرية والقوات التابعة لها مثل «حزب الله» وفصائل عراقية، بالإضافة إلى ريف حلب الجنوبي وبلدتي نبل والزهراء ومطار النيرب العسكري في شرق المدينة.

وأكدت تقارير نشرتها وسائل إعلام إيرانية في نهاية نوفمبر 2024 مقتل عناصر من القوات الإيرانية في حلب، بينهم مستشار عسكري بارز هو سردار بور هاشمي، دُفن في طهران بحضور عدد كبير من مسؤولي الحرس الثوري.

وقال ديبو «عندما دخلنا مقراتهم (في حلب) وجدنا وثائق شخصية من جوازات سفر وهويات تابعة لضباط إيرانيين، لم يكن لديهم الوقت لسحبها».

وشاهد مراسل «فرانس برس» على جدار داخل القاعدة المهجورة التي انهارت جدرانها، شعارات لـ«حزب الله» وإيران إلى جانب رسم يظهر سيفاً يشقّ علم إسرائيل.

إجلاء عبر حميميم

وأوضح ديبو، الذي رافق الفصائل المقاتلة المعارضة من إدلب وصولاً إلى دمشق، بأنه بعد السيطرة على حلب، «أُجلي نحو 4000 مقاتل إيراني عن طريق قاعدة حميميم» الروسية التي كانوا لجأوا إليها، بينما فرّ آخرون باتجاه لبنان والعراق.

ويتقاطع ذلك مع ما يرويه الضابط السوري الذي رفض الكشف عن هويته، والذي يقول إن «قائداً إيرانياً معروفاً باسم الحاج جواد، أُجلي» في الخامس من ديسمبر 2024، «برفقة عدد من المقاتلين والضباط الإيرانيين عبر قاعدة حميميم» إلى طهران.

وكان مصدر ميداني في «حزب الله» قال لـ«فرانس برس» فجر الثامن من ديسمبر، إنَّ «الحزب أوعز لمقاتليه» بالانسحاب من مواقعهم في محيط حمص وفي محيط دمشق.

وتمركزت المجموعات الموالية لطهران في مواقع حساسة داخل دمشق وريفها، لاسيما في المزة ومقام السيدة زينب ومحيط مطار دمشق، إضافة إلى نقاط في المناطق الحدودية مع لبنان ومع العراق، وأشرفت على عمليات عسكرية وتدريب وتنسيق مباشر مع قوات الحُكم السابق.

ومع تفاقم النزاع وتراجع قدرات الجيش السوري خلال سنوات الثورة ضد الأسد، توسّع النفوذ الإيراني ليشمل مراكز أمنية ومستودعات أسلحة وقواعد مشتركة مع الجيش استهدفتها خلال السنوات الماضية مئات الغارات الجوية الإسرائيلية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي