ليس نتاج ضربة حظ... بل انضباط وهدوء
كيف تتقن فن النجاح على المدى الطويل؟
يبدو النجاح براقاً من بعيد، بالألقاب والدخل وأسلوب الحياة والسفر والأعمال التي تبدو وكأنها تنطلق بين ليلة وضحاها.
لكن أي شخص عاش فعلياً داخل عالم النجاح الحقيقي يعرف الحقيقة، وهو أنه لم يكن أبداً بين ليلة وضحاها، ولم يكن عرضياً أبداً، ولم يُبن أبداً بالدافع. فالنجاح طويل الأمد، خصوصاً في ريادة الأعمال، مبني على الانضباط، انضباط هادئ ممل وغير جذاب.
لكن عليك ألا تظن أن الأشخاص المنضبطين يمتلكون شيئاً لا تمتلكه أنت، كأن يمتلكون قوة إرادة خارقة أو محركاً داخلياً خاصاً يجعلهم مثاليين. فبعد عقود من بناء الأعمال والفشل وإعادة البناء ورؤية الأشياء تتراكم بطرق لم يكن يتوقعها أبداً، أدرك أحد رواد الأعمال الناجحين القاعدة الآتية: «الأشخاص المنضبطون ليسوا موهوبين بالضرورة، بل منظمون في الأساس. إنهم يبنون عادات لا يراها بقية العالم، ويخلقون أنظمة بدلاً من الاعتماد على العاطفة، وينتصرون فقط لأنهم يبقون في اللعبة لفترة كافية ليبدأ التراكم».
ومن بين أهم تلك العادات:
• الأولى: تفضيل عنصر الاتساق على عنصر الكثافة. فمعظم الناس يريدون الركض السريع عندما تمنحهم الحياة انفجاراً من الدافع، لكنهم يذهبون بقوة لمدة أسبوع ثم يحترقون ويختفون في الراحة. الأشخاص المنضبطون عكس ذلك، إذ يفهمون أن الكثافة بلا قيمة من دون اتساق، ويفضّلون كتابة مقال واحد كل يوم وليس ثلاثين في جلسة واحدة، ويفضلون التحسن بنسبة 1 في المئة كل أسبوع بدلاً من 20 في المئة في أسبوع «متحفز» واحد، ويختارون النمو البطيء بثبات بدلاً من الفوضوي.
• الثانية: بناء أنظمة حتى لا يعتمدوا على الدافع، فالدافع يأتي ويذهب، لكن الأنظمة لا تذهب. هذا واحد من أكبر الفواصل بين الأشخاص الذين يتحدثون عن النجاح والأشخاص الذين يحققونه فعلياً. يزيل الأشخاص المنضبطون اتخاذ القرارات من المعادلة، ويجعلون نجاحهم تلقائياً. يخلقون نظام نشر ونظام استثمار ونظام تدريب ونظام تعلم ونظام اتخاذ قرارات.
• الثالثة: تأخير الإشباع من دون الشعور بالحرمان، وهذا هو القلب النفسي للانضباط. بينما يطارد معظم الناس المكافآت الفورية، يشعر الأشخاص المنضبطون بالراحة عند تأخير الإشباع. يمكنهم تحمل الملل والتكرار والنمو البطيء والتقدم غير المرئي والعائد المتأخر وعدم الراحة على عبارة «لم نصل بعد».
• الرابعة: معاملة الطاقة الشخصية كمورد ثمين لا ينبغي إهداره: فالناجحون يقولون لا للمشتتات والالتزامات الاجتماعية التي تستنزفهم وفرص الأعمال غير المتوافقة والمهام «العاجلة» التي تسرق الانتباه من الأهداف الكبيرة والأشخاص الذين يبطئون زخمهم. يفشل رواد الأعمال، ليس لأنهم يفتقرون إلى الأفكار، ولكن لأنهم يطاردون الكثير منها. وكل شخص ناجح يمتلك نوعاً من البساطة الأنيقة في حياته، إذ يركز على أشياء أقل ويلتزم بعمق.
• الخامسة: تتمثل في التفكير بالعقود وليس بالأيام، فالعالم يحب المكاسب السريعة وقصص النجاح بين ليلة وضحاها، لكن الأشخاص المنضبطين يتجاهلون الضجيج. تفكيرهم طويل الأمد، عشر سنوات قدماً وليس عشرة أيام.
وإجمالاً، فالانضباط ليس عقاباً بل احترام للذات. ويسيء بعض الناس فهم الانضباط على أنه شيء ثقيل ومقيد، لكن في الواقع، الانضباط شكل من أشكال احترام الذات، إنه يتلخص في قولك: «أؤمن بأن النسخة المستقبلية مني تستحق الجهد الذي أبذله اليوم»، فهذه العقلية تغير كل شيء. وعندما يتوقف الانضباط عن الشعور بأنه عبء ويبدأ بالشعور بأنه التزام تجاه نفسك المستقبلية، تتحول عاداتك بشكل طبيعي.
وختاماً... النجاح ليس نتاج ضربة حظ، بل هو انضباط يتكرر يومياً وبهدوء حتى تصبح النتائج ملموسة وواضحة كسطوع الشمس.