إشراقات النقد / الجزائري أحمد يوسف ... أفق حداثي عانق منابع الفكر العالمي
غلاف الكتاب
أحمد يوسف
| سعاد العنزي |
الإبداع مطلب حضاري وضرورة ملحة تواكب أي حضارة، وسؤال جوهري يلازم أي دعوة للتقدم في ميادين الحياة الفكرية والمعرفية أو حتى في العلوم الطبيعية، وفنون العمران والهندسة.**
وعندما يرى المرء ثيمات الإبداع متجددة ومتواصلة ومتوهجة في عطائها فإن الفرح يغامر أساريره. كذلك إن الحديث عن المبدعين في العالم هو حديث يجدد النشاط في القلوب الحية النابضة بحب العطاء، ويزيدنا اعتناء واشتغالا على أنفسنا كي نحاذي ونقارب أهل العطاء في عطائهم، ولكي تزيد قوة الموجب والمنجز بدلا من السالب والمهدر.
إن الإبداع بما هو متوافر في مجالات عدة يتطلب اشتغالات عديدة على الذات من حيث تنميتها المعرفية، وعلى النفس بتقوية الهمة والتشدد مع هواها وميولها ونوازعها، وازدياد الاطلاع على كل جديد ومقدرة حقيقية على النقد والتحليل، من ثم الإصرار على تقديم الجديد والأصيل والمبتكر.
والنقد يعد من أهم فنون المعرفة التي تتطلب عدة متطلبات لكي يطلق على الناقد مسمى ناقد، فهو فن يتطلب عدة آليات لا بد من إجادتها والتمكن منها، وإلا أعيا عليك النص حتى في نقر أبوابه، ناهيك عن القدرة الصحيحة في قراءته وفك شيفراته العنيدة والعصية على أي متلق..
إن مقاربتنا اليوم هي مقاربة لباحث وأكاديمي عريق في أصالته، ضليع برصانة بحثه واشتغاله، ملم بأصول الحداثة ومتعاطي مع ثيماتها، فإن كتب عن الماضي وجدته أصيلا وعميقا ومضيفا على النص، روح الحاضر، وتلقي المحدث الجديد، للنص القديم، وإن كتب عن طروحات الحداثة، فستجد فهما وقراءة خلاقة ومتجددة، وصورة حقيقية لتلاقح الحضارات وتفاعل النصوص المتعددة في ذهنية اتسمت بمرونة التعامل مع المستجدات، وسعة الأفق لتمثل الحضارات.
إنه الدكتور والناقد الجزائري أحمد يوسف المهتم والمتخصص في مجال علم السيمياء وتحليل الخطاب، والأكاديمي في جامعة وهران الجزائرية، وليس من المهم في هذا المقام تعقب السيرة البيروجرافية للدكتور على الرغم من إنها تكشف جوانب مهمة في حياة شخص معطاء مثله، ولكن ما يهمنا في هذه العجالة السريعة هو الحديث عن بعض من أهم منجزاته الفكرية والمعرفية، التي تدل على زخم في الإنتاج، وقدرة فذة في العطاء، كالنبع المتجدد الذي لا ينضب.
فمن أبحاثه المنشورة في المجلات العلمية المحكمة، بعض العناوين التالية:
بلاغة المحكي ومنطق الحوار قراءة في حواشي الكتابة وهوامشها، السيميائيات التأويلية وفلسفة الأسلوب، شعر الثورة وخفوت السلالة الشعرية، سامي محمد وسيمياء التجريد، خفوت السلالة الشعرية وثقافة اليتم في الشعر العربي القديم في الجزائر، الخطاب والنص في أدبيات المؤسسة التربوية، مفهوم الخطاب بين رهاناته المعرفية ومعوقاته الابستمية، النحاة الجدد وميلاد اللسانيات التاريخية، السيميائيات والتواصل، السيميائيات الكانطية بين المنطق المتعالي والنزعة التجريبية، توزيعية هاريس والتحليل النسقي للخطاب، الأبعاد السوسيو ثقافية لنظرية القراءة، الملفوظ والخطاب مطارحة في المفاهيم.
شعرية الإهداء مقاربة سيميائية في العتبات النصية، شعرية الغياب وجمالية الفراغ الباني، بين الخطاب والنص، الجدل وخطاب البرهان، السيميائيات ومرتكزاتها الابستيمولوجية، السيميائيات والبلاغة الجديدة، عرش النص بين مدارج التاريخ ومعارج الحكي، تهافت المعنى وهباء الحقيقة دراسة في البلاغة السفسطائية، تأثير الجلوسيماتية في النظرية السيميائية: مدرسة باريس أنموذجا، إن نظرة متأملة وعميقة في العناوين السابقة تفتح لنا عدة تأويلات، وفيها عدة دلائل:
أولا: غزارة الإنتاج ولا محدودية العطاء في الحقل الأكاديمي وفي ميدان التخصص، فما ذكر سابقا هو جزء من كل، ما يعطي دلالة ناجزة في ماهية الانجاز كما وكيفا، وهذا هو ما نحن بحاجة ملحة له في هذه الأيام، حيث نجد بعضا من مثقفينا وباحثينا يمسون قشور المعرفة، ولا يلجون إلى أبوابها العميقة والعصية.
ثانيا: إن قراءة تحليلية للعناوين السابقة، تشف عن مدى الوعي الحداثي بالنظريات الغربية الحديثة تنظيرا وتطبيقا، كما هو متضح من قراءته لبعض التجارب الإبداعية، ومن النظريات الحداثية التي تم التركيز عليها هي البنيوية والسيميائية والتفكيكية والأسلوبية ونظريات القراءة والتلقي.
ثالثا: البعد عن التقليدية في الطرح وفي الاختيار، فإن العناوين تفتح أفقا لا منتهيا من الدلالات الحيوية والفعالية، تولد مفاهيما جديدة في النقد الأدبي الحديث مهمة جدا لا بد من تأصيلها والتعامل معها في إدخالها نسق علائقي مع أنساق النقد العربي قديمه وحديثه.
إن عنوانا مثل « تهافت المعنى وهباء الحقيقة دراسة في البلاغة السفسطائية» ينفتح على قراءة وكد لما هو منتج عالميا وفق نظريات ما بعد البنيوية في التفكيكية وتشريح النص، متمثلة بمفكر عظيم مثل جاك ديريدا الذي رفض استقرار الدال بمدلول واحد، ونمى فكرة تعدد الدلالات وقبول الأنساق الثقافية المتغايرة والاعتراف بها كونها أشكالا تصب ببنية الحياة الكبرى.
بل إن عنوانا مثل العنوان السابق، يجعلنا كقراء نجاوز أي قراءة تقليدية، ومسبقة وناجزة لأي نص، بما ان الحقيقية متعددة بتعدد الملابسات، وإن المعنى ليس قاسما مشتركا يتقاسمه جميع الناس لأنه مرتبط بتعدد الثقافات وملابسات مختلفة في البيئة التي يقرأ بها النص، كل هذه المعطيات تجعلنا نعمل القراءة في النص، ولا نقبل الحقائق الناجزة من أبواق الإعلام ولا من مدعي الثقافة، بل البحث عن عدة أنساق للحقيقة.
وما يؤكد قولنا السابق هو قول ناشر أحد كتب الدكتور أحمد يوسف «القراءة النسقية سلطة البنية ووهم المحايثة»:
«وقد أوضح هذا البحث المأزق الذي انتهت إليه القراءة النسقية التي اختارت مبدأ المحايثة ضمن منهجها التصوري. فالنص ليس نسقاً مغلقاً؛ وإن كان قُدّ من كيان لغوي فسيظل نسقاً مفتوحاً مليئاً بالفجوات والثغرات. وهذا سرّ جماليته، وأساس أدبيته، بل إن شعرية الغياب وجمالية الفراغ الباني تشكلان قوامه الجوهري».
ما مضى من كلمات عابرة هي محاولة أولية للولوج إلى بوابة كبيرة وواسعة في النقد والمعرفة، للدكتور أحمد يوسف، كونه نص موغل في العمق والتعدد وقابل لقراءات متباينة، وإن ما كتب ليس إلا مقدمة أولى لعتبات التلقي ومحاولات التأويل لمقاربات هذا الباحث والمنظر والمؤصل لطروحات نقدية ومعرفية مهمة وحساسة في عصر أمست الجدية في العطاء خصيصة نادرة لدى أبنائه.
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]
الإبداع مطلب حضاري وضرورة ملحة تواكب أي حضارة، وسؤال جوهري يلازم أي دعوة للتقدم في ميادين الحياة الفكرية والمعرفية أو حتى في العلوم الطبيعية، وفنون العمران والهندسة.**
وعندما يرى المرء ثيمات الإبداع متجددة ومتواصلة ومتوهجة في عطائها فإن الفرح يغامر أساريره. كذلك إن الحديث عن المبدعين في العالم هو حديث يجدد النشاط في القلوب الحية النابضة بحب العطاء، ويزيدنا اعتناء واشتغالا على أنفسنا كي نحاذي ونقارب أهل العطاء في عطائهم، ولكي تزيد قوة الموجب والمنجز بدلا من السالب والمهدر.
إن الإبداع بما هو متوافر في مجالات عدة يتطلب اشتغالات عديدة على الذات من حيث تنميتها المعرفية، وعلى النفس بتقوية الهمة والتشدد مع هواها وميولها ونوازعها، وازدياد الاطلاع على كل جديد ومقدرة حقيقية على النقد والتحليل، من ثم الإصرار على تقديم الجديد والأصيل والمبتكر.
والنقد يعد من أهم فنون المعرفة التي تتطلب عدة متطلبات لكي يطلق على الناقد مسمى ناقد، فهو فن يتطلب عدة آليات لا بد من إجادتها والتمكن منها، وإلا أعيا عليك النص حتى في نقر أبوابه، ناهيك عن القدرة الصحيحة في قراءته وفك شيفراته العنيدة والعصية على أي متلق..
إن مقاربتنا اليوم هي مقاربة لباحث وأكاديمي عريق في أصالته، ضليع برصانة بحثه واشتغاله، ملم بأصول الحداثة ومتعاطي مع ثيماتها، فإن كتب عن الماضي وجدته أصيلا وعميقا ومضيفا على النص، روح الحاضر، وتلقي المحدث الجديد، للنص القديم، وإن كتب عن طروحات الحداثة، فستجد فهما وقراءة خلاقة ومتجددة، وصورة حقيقية لتلاقح الحضارات وتفاعل النصوص المتعددة في ذهنية اتسمت بمرونة التعامل مع المستجدات، وسعة الأفق لتمثل الحضارات.
إنه الدكتور والناقد الجزائري أحمد يوسف المهتم والمتخصص في مجال علم السيمياء وتحليل الخطاب، والأكاديمي في جامعة وهران الجزائرية، وليس من المهم في هذا المقام تعقب السيرة البيروجرافية للدكتور على الرغم من إنها تكشف جوانب مهمة في حياة شخص معطاء مثله، ولكن ما يهمنا في هذه العجالة السريعة هو الحديث عن بعض من أهم منجزاته الفكرية والمعرفية، التي تدل على زخم في الإنتاج، وقدرة فذة في العطاء، كالنبع المتجدد الذي لا ينضب.
فمن أبحاثه المنشورة في المجلات العلمية المحكمة، بعض العناوين التالية:
بلاغة المحكي ومنطق الحوار قراءة في حواشي الكتابة وهوامشها، السيميائيات التأويلية وفلسفة الأسلوب، شعر الثورة وخفوت السلالة الشعرية، سامي محمد وسيمياء التجريد، خفوت السلالة الشعرية وثقافة اليتم في الشعر العربي القديم في الجزائر، الخطاب والنص في أدبيات المؤسسة التربوية، مفهوم الخطاب بين رهاناته المعرفية ومعوقاته الابستمية، النحاة الجدد وميلاد اللسانيات التاريخية، السيميائيات والتواصل، السيميائيات الكانطية بين المنطق المتعالي والنزعة التجريبية، توزيعية هاريس والتحليل النسقي للخطاب، الأبعاد السوسيو ثقافية لنظرية القراءة، الملفوظ والخطاب مطارحة في المفاهيم.
شعرية الإهداء مقاربة سيميائية في العتبات النصية، شعرية الغياب وجمالية الفراغ الباني، بين الخطاب والنص، الجدل وخطاب البرهان، السيميائيات ومرتكزاتها الابستيمولوجية، السيميائيات والبلاغة الجديدة، عرش النص بين مدارج التاريخ ومعارج الحكي، تهافت المعنى وهباء الحقيقة دراسة في البلاغة السفسطائية، تأثير الجلوسيماتية في النظرية السيميائية: مدرسة باريس أنموذجا، إن نظرة متأملة وعميقة في العناوين السابقة تفتح لنا عدة تأويلات، وفيها عدة دلائل:
أولا: غزارة الإنتاج ولا محدودية العطاء في الحقل الأكاديمي وفي ميدان التخصص، فما ذكر سابقا هو جزء من كل، ما يعطي دلالة ناجزة في ماهية الانجاز كما وكيفا، وهذا هو ما نحن بحاجة ملحة له في هذه الأيام، حيث نجد بعضا من مثقفينا وباحثينا يمسون قشور المعرفة، ولا يلجون إلى أبوابها العميقة والعصية.
ثانيا: إن قراءة تحليلية للعناوين السابقة، تشف عن مدى الوعي الحداثي بالنظريات الغربية الحديثة تنظيرا وتطبيقا، كما هو متضح من قراءته لبعض التجارب الإبداعية، ومن النظريات الحداثية التي تم التركيز عليها هي البنيوية والسيميائية والتفكيكية والأسلوبية ونظريات القراءة والتلقي.
ثالثا: البعد عن التقليدية في الطرح وفي الاختيار، فإن العناوين تفتح أفقا لا منتهيا من الدلالات الحيوية والفعالية، تولد مفاهيما جديدة في النقد الأدبي الحديث مهمة جدا لا بد من تأصيلها والتعامل معها في إدخالها نسق علائقي مع أنساق النقد العربي قديمه وحديثه.
إن عنوانا مثل « تهافت المعنى وهباء الحقيقة دراسة في البلاغة السفسطائية» ينفتح على قراءة وكد لما هو منتج عالميا وفق نظريات ما بعد البنيوية في التفكيكية وتشريح النص، متمثلة بمفكر عظيم مثل جاك ديريدا الذي رفض استقرار الدال بمدلول واحد، ونمى فكرة تعدد الدلالات وقبول الأنساق الثقافية المتغايرة والاعتراف بها كونها أشكالا تصب ببنية الحياة الكبرى.
بل إن عنوانا مثل العنوان السابق، يجعلنا كقراء نجاوز أي قراءة تقليدية، ومسبقة وناجزة لأي نص، بما ان الحقيقية متعددة بتعدد الملابسات، وإن المعنى ليس قاسما مشتركا يتقاسمه جميع الناس لأنه مرتبط بتعدد الثقافات وملابسات مختلفة في البيئة التي يقرأ بها النص، كل هذه المعطيات تجعلنا نعمل القراءة في النص، ولا نقبل الحقائق الناجزة من أبواق الإعلام ولا من مدعي الثقافة، بل البحث عن عدة أنساق للحقيقة.
وما يؤكد قولنا السابق هو قول ناشر أحد كتب الدكتور أحمد يوسف «القراءة النسقية سلطة البنية ووهم المحايثة»:
«وقد أوضح هذا البحث المأزق الذي انتهت إليه القراءة النسقية التي اختارت مبدأ المحايثة ضمن منهجها التصوري. فالنص ليس نسقاً مغلقاً؛ وإن كان قُدّ من كيان لغوي فسيظل نسقاً مفتوحاً مليئاً بالفجوات والثغرات. وهذا سرّ جماليته، وأساس أدبيته، بل إن شعرية الغياب وجمالية الفراغ الباني تشكلان قوامه الجوهري».
ما مضى من كلمات عابرة هي محاولة أولية للولوج إلى بوابة كبيرة وواسعة في النقد والمعرفة، للدكتور أحمد يوسف، كونه نص موغل في العمق والتعدد وقابل لقراءات متباينة، وإن ما كتب ليس إلا مقدمة أولى لعتبات التلقي ومحاولات التأويل لمقاربات هذا الباحث والمنظر والمؤصل لطروحات نقدية ومعرفية مهمة وحساسة في عصر أمست الجدية في العطاء خصيصة نادرة لدى أبنائه.
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]