الأمم المتحدة: فظاعات دارفور ارتُكبت في ظل شعور بـ«إفلات تام من العقاب»
- روايات عن «إعدامات جماعية وعنف جنسي واسع النطاق... وتعذيب»
قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، إن الفظاعات التي ارتُكبت في منطقة الفاشر بإقليم دارفور في غرب السودان قوبلت بـ«لامبالاة» ونُفذت «في ظل شعور بالإفلات التام من العقاب».
ولاحظ فليتشر، في مقابلة مع «فرانس برس»، مساء الثلاثاء في نجامينا، أن «العالم لم يُعر اهتماماً كافياً لأزمة دارفور. ثمة الكثير من اللامبالاة وعدم الاكتراث تجاه المعاناة الهائلة التي شهدناها هناك».
وكان فليتشر، يتحدّث للوكالة في العاصمة التشادية عقب زيارة لإقليم دارفور الواقع على الجانب الآخر من الحدود، حيث سيطرت قوات الدعم السريع الشهر الفائت على مدينة الفاشر، آخر معقل للجيش في المنطقة.
وقال فليتشر، إنه استمع خلال زيارته لدارفور «إلى الكثير من الشهود، والكثير من الناجين من هذا العنف الوحشي». وأضاف «كانت رواياتهم مروعة. ثمة شعور بالإفلات التام من العقاب وراء هذه الفظائع».
وتضمنت شهادات الناجين التي سمعها روايات عن «إعدامات جماعية، وعنف جنسي واسع النطاق، وتعذيب»، وعن أن «كثرا ممن حاولوا الفرار... تعرضوا بعد ذلك لاعتداءات على الطريق».
وتقدر الأمم المتحدة عدد من نزحوا من الفاشر والمناطق المحيطة بها منذ سقوط المدينة بنحو مئة ألف شخص، بينما لا يزال عشرات الآلاف محاصرين في ظروف مجاعة بعد حصار دام 18 شهراً.
وأشار فليتشر، إلى أن حجم الاحتياجات هائل في كل من دارفور وتشاد التي شهدت نزوحاً كثيفاً، وتشمل هذه الاحتياجات مجالات الرعاية الصحية والإيواء والغذاء والصرف الصحي والتعليم.
ممر آمن
وأسفرت الحرب المتواصلة منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع عن مقتل عشرات الآلاف ودفعت الملايين إلى النزوح، وهي أحدثت «أسوأ أزمة إنسانية في العالم» بحسب الأمم المتحدة.
وأعلن فليتشر، ان زيارته برفقة مسؤولين كبار في الأمم المتحدة تهدف إلى توفير ممر آمن للعاملين في المجال الإنساني، وتمكين المنظمة الدولية من «العمل بأمان في كل أنحاء السودان».
وقال «سنعمل في كل مناطق السودان، أيّا كانت الجهة التي تسيطر على تلك المناطق، على أساس مبادئنا المتمثلة في الحياد والإنسانية والاستقلال والنزاهة».
وفي بورتسودان، مقر الحكومة المدعومة من الجيش، أجرى فليتشر محادثات وصفها بأنها «بنّاءة» مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وتوافق معه على ضرورة أن تنفذ الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية مهامها «من دون عقبات أو عوائق».
كذلك تحدث فليتشر هاتفياً مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، والتقى ممثلين لهذه القوات في دارفور.
وقال إنه شدد على الحاجة إلى «تحقيقات ومساءلة»، وعلى ضرورة توفير «ممر آمن تماماً إلى الفاشر» وضمانات لسلامة قوافل المساعدات التي سبق أن تعرضت لهجمات في دارفور.
وأشار إلى أنها «كانت محادثة صعبة»، ركزت على «الشروط العملية» اللازمة لإيصال المساعدات.
المعارك مستمرة
ورغم جهود الوساطة الدولية، استمر القتال في مختلف أنحاء دارفور وكردفان المجاورة.
وفي الأسبوع الفائت، أصابت غارة جوية مركبة تجارية بالقرب من زالنجي في وسط دارفور، ما أدى إلى تضرُّر مركبات للأمم المتحدة كانت قريبة.
وفي شمال كردفان، يخشى السكان هجوماً وشيكاً على الأبيض، حيث أسفر هجوم بطائرة مسيّرة على جنازة هذا الشهر عن مقتل 40 شخصاً على الأقل.
كما تقدمت قوات الدعم نحو مدينة بابنوسة الاستراتيجية في غرب كردفان التي أكدت أنها ستواصل «القتال حتى اللحظة الأخيرة».
واستمر القتال حتى بعد موافقة الدعم السريع على اقتراح هدنة قدمته الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر.
ويوم الجمعة، استبعد البرهان، خلال زيارة لمدينة السريحة في وسط السودان، إجراء محادثات سلام.
وبسقوط الفاشر، باتت قوات الدعم السريع تسيطر على كل عواصم ولايات دارفور الخمس، ما أدى فعلياً إلى تقسيم السودان إلى قسمين، إذ يسيطر الجيش على الشمال والشرق والوسط، ويشمل الخرطوم، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على دارفور وأجزاء من الجنوب.
«هانديكاب إنترناشونال»: عناصر الإغاثة في دارفور يضطرون إلى «اختيار من يُنقذون»
يضطر العاملون في مجال الإغاثة بمنطقة دارفور إلى «اختيار من يُنقذون»، نظراً إلى أن الإمكانات المتاحة لا تكفيهم لمساعدة جميع المدنيين المتضررين من الحرب، بحسب منظمة «هانديكاب إنترناشونال».
وقال رئيس قسم التوزيع اللوجستي في المنظمة غير الحكومية جيروم برتران الذي أمضى في دارفور ثلاثة أسابيع لتقييم الاحتياجات الميدانية لإيصال المساعدات «نحن مُضطرون إلى اختيار من نُنقذ ومن لا نُنقذ».
وأضاف لـ «فرانس برس»، «إنه خيار على الجهات الإنسانية المعنية اتخاذه ويشكّل معضلة لا إنسانية، وهو أمر يتعارض تماماً مع قيمنا»، مشيراً إلى أن فرق المنظمة تُعطي الأولوية «للأطفال والنساء الحوامل والأمهات المرضعات، على أمل أن يصمد الآخرون».
ويعمل برتران على تسهيل عمليات الإغاثة لتلبية «الاحتياجات الهائلة» على أفضل وجه رغم صعوبات كثيرة، من بينها عدم توافُر مطار عامل، وكون الطرق غالباً ما تكون غير سالكة خلال موسم الأمطار، و«عقبات إدارية» على الحدود التشادية (هي راهناً الطريق الوحيدة للوصول إلى دارفور) وتكاليف باهظة، وتمويل دولي غير كاف.
وقال إن قسماً من مستلزمات الإغاثة يُنقل «بواسطة الحمير» إلى هذه المنطقة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليوناً، مشيراً إلى أن «وضعاً فوضوياً» يسودها، في ظل «غياب تام لمؤسسات الدولة»، و«انتشار أعمال اللصوصية (...) والابتزاز والسرقة والاعتداءات والاعتقالات».
ولاحظ برتران «أناساً لا يملكون شيئاً على الإطلاق» في مدينة طويلة التي لجأ إليها أكثر من 650 ألف مدني من الفاشر ومخيم زمزم الواقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وتعجز «الجهات الإنسانية المعنية عن تلبية كل احتياجاتهم».
واشتكى من أن تعليق قسم من المساعدات الأميركية (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) أدى إلى فقدان «70 في المئة» من الموارد في دارفور، مشيرا إلى أن الاحتياجات التي باتت تُلبى لم تعد تتجاوز الربع.
وأفاد بأن «80 ألف شخص» متروكون على الطرق، يتعرضون للعنف والابتزاز. وتظهر على من يصلون إلى طويلة «آثار سوء التغذية، وجروح ناجمة عن التعذيب»، أو يكونون مصابين بطلقات نارية.