في كل درب نمشيه، يطلّ علينا موقف يختبر هدوءنا، ويُغري أعصابنا بأن تسبق عقلنا. لحظات يضيق فيها الصدر، وتثور فيها الكلمات قبل أن تنضج، فنوشك أن نقول ما لا نريد، ونكسر ما لم يكن يستحق الكسر. وهنا يجيء المبدأ القديم... مثل نخوة حكيم جالس في ظل نخلة:
«فشاور لبيبا ولا تعصِهِ».
المعنى ليس في اللفظ، بل في الروح التي يحملها.
اللبيب ليس الأكبر سناً... بل الأوسع صدراً.
ليس الأعلم... بل الأهدى قلباً.
إنسان يعرف كيف يرى الماء تحت العكر، وكيف يلمح النور في آخر الحكاية، وكيف يربّت على كتفك بكلمة ترجعك لصوابك من غير ما يهزّ كرامتك.
حين «تشاور لبيباً» أنت تعطي نفسك فرصة ثانية.
فرصة ترتّب فيها أفكارك، وتسمع صدى قلبك من غير شوشرة، وتستوعب ما حدث من غير ما تدافع أو تبرّر.
أما الـ«تعصِهِ»... فهي تلك اللحظة اللي يركض فيها لسانك قبلك، وتسبقك رجلك قبل حكمتك، وتطيح كلمة لو تقدر تردّها بعد ثانية... ما تردّ.
في حياتنا نحتاج لواحد نرجع له قبل ما نغضب، قبل ما نرد، قبل ما نتهوّر.
واحد يسمع من روحك مو من صوتك، ويقول لك:
«اهدأ... لا تخسر شيئاً تقدر أن تحافظ عليه».
«الحياة ما تبي بطل... تبي واحد يعرف يوقف قبل الهاوية بخطوة».
و«المواقف ما تبي صريخ... تبي بصيرة».
و«القلوب ما تبي عناد... تبي كلمة طيبة توجّه، لا توجّع».
فـ«فشاور لبيبا ولا تعصِهِ»...
لأن ساعة الغضب تعمي، وساعة الحكيم تهدي.
ولأن «الكلمة اللي تطلع بعصبية، عمرها ما تشبه الكلمة اللي تطلع من عقل رايق».