ماذا بعد انتخابات البرلمان العراقي... وما تأثير السياق الإقليمي على مخرجاتها؟
أدلى العراقيون بأصواتهم، اليوم الثلاثاء، لاختيار برلمان جديد مؤلف من 329 مقعداً لولاية تمتدّ أربع سنوات.
- ماذا يحصل بعد الانتخابات؟
يتعين أوّلا على المحكمة العليا في العراق المصادقة على نتائج الانتخابات.
منذ أول انتخابات متعددة شهدها البلد في 2005، يعود تقليدياً منصب رئيس الجمهورية، وهو منصب رمزي بدرجة كبيرة، إلى الأكراد، بينما يتولى الشيعة رئاسة الوزراء وهو المنصب الأهمّ، والسنة مجلس النواب، بناء على نظام محاصصة بين القوى السياسية النافذة.
يفترض أن ينتخب البرلمان في جلسته الأولى التي يجب أن تنعقد خلال 15 يوماً من إعلان النتائج النهائية ويترأسها النائب الأكبر سنّاً، رئيساً جديداً له.
بعد الجلسة الأولى، يفترض أن ينتخب البرلمان رئيساً للجمهورية خلال 30 يوماً بغالبية الثلثَين.
وغالباً ما لا يلتزم السياسيون العراقيون بالمهل الدستورية بسبب مناوشات سياسية معهودة.
وفي الانتخابات الأخيرة عام 2021، انعقد البرلمان للمرة الأولى بعد نحو ثلاثة أشهر من انتخابه، وذلك بسبب توترات سياسية جرّاء فوز رجل الدين الشيعي السيد مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعداً) وتنديد الأحزاب والمجموعات المدعومة من إيران بالنتائج.
وبعد عام من أزمة سياسية حادّة تجلّت عنفاً دامياً في الشارع وتخللت انسحاب الصدر، انتخب البرلمان في أكتوبر 2022 مرشح التسوية عبداللطيف رشيد رئيساً للجمهورية الذي كلّف بدوره محمّد شياع السوداني مرشّح تحالف «الإطار التنسيقي» الذي يضمّ أحزاباً شيعية موالية لإيران، تشكيل حكومة جديدة.
- كيف تتشكّل الحكومة؟
يتوجّب على رئيس الجمهورية أن يُكلّف رئيساً للحكومة خلال 15 يوماً من تاريخ انتخابه، يكون مرشح «الكتلة النيابية الأكبر عدداً» بحسب الدستور ويكون الممثل الفعلي للسلطة التنفيذية.
في ظل استحالة وجود أغلبية مطلقة، يختار أي ائتلاف قادر على التفاوض مع الحلفاء ليصبح الكتلة الأكبر، رئيس الحكومة المقبل.
ولدى تسميته، تكون أمامه مهلة 30 يوماً لتأليف الحكومة.
وفي الانتخابات الأخيرة، أصرّ الصدر قبل انسحابه على تشكيل حكومة أكثرية فيما اجتمع آخرون تحت مظلة «الإطار التنسيقي» الذي جاء بالسوداني.
- ما تأثير السياق الإقليمي على المرحلة المقبلة؟
كما كانت الحال مع سلفه، سيتعين على رئيس الوزراء الجديد الحفاظ على توازن دقيق في علاقاته مع الخصمَين إيران والولايات المتحدة.
وتمسك طهران منذ سنوات بمفاتيح في العراق، سواء عبر أحزاب شيعية كان لها دور رئيسي في تسمية رؤساء الحكومات، أو عبر فصائل مسلحة موالية لها تشكّل جزءاً أساسياً من «محور المقاومة» الذي تقوده، والمناهض للولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة.
لكنّ «الإيرانيين حالياً في أضعف حالاتهم» إقليمياً بعد عام 2003 الذي شهد إطاحة الغزو الأميركي نظام صدام حسين، حسب ما يرى المحلل السياسي العراقي حمزة حداد.
فمنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة عام 2023، تلقّى حلفاء الجمهورية الإسلامية مثل حركة «حماس» و«حزب الله» في لبنان والحوثيين في اليمن، ضربات قاسية من إسرائيل التي شنّت كذلك حرباً على إيران في يونيو طالت خصوصاً منشآت نووية وعسكرية.
كما فقدت طهران حليفاً رئيسياً مع سقوط حكم بشار الأسد في سوريا أواخر العام 2024.
ويضيف حداد لـ «فرانس برس»، «أعتقد أن الإيرانيين يدركون أنه ليس من مصلحتهم إظهار قدر كبير من التدخل العام» في العراق، وهو حليفها الإقليمي الوحيد الذي تمكّن من النأي بنفسه في العامَين الأخيرَين.
لكن مع ذلك «لا تحتاج إيران إلى إبراز عضلاتها في العراق لأنه بات من الطبيعي أن يمنحها القادة العراقيون مزيداً من الأولوية».
وبعد الخسائر التي منيت بها أخيراً، تسعى طهران حالياً للإبقاء على مكتسباتها في بلد شكّل منفذاً رئيسياً لتوسع دورها الإقليمي بعد الغزو الأميركي عام 2003، أبرزها الحفاظ على السوق العراقية المفتوحة أمام منتجات اقتصادها المنهك بسبب العقوبات.
وفي خضم التوترات، حافظ العراق على استقرار نسبي، رغم أن فصائل مسلّحة موالية لطهران تبنّت إطلاق صواريخ ومسيّرات على مواقع تضم قوات أميركية في سوريا والعراق، بينما قصفت واشنطن أهدافاً لهذه المجموعات في العراق.
وتسعى واشنطن إلى إضعاف نفوذ إيران من خلال الضغط على العراق لنزع سلاح الفصائل وفرض عقوبات على كيانات عراقية مرتبطة بها وكذلك تقويض قدرة إيران على التهرب من العقوبات، وهي إستراتيجية يُتوقع أن تستمرّ بها واشنطن.
أبرز القوائم الانتخابية المتنافسة
تنافس أكثر من 7740 مرشحاً ثلثهم تقريباً من النساء، على 329 مقعداً برلمانياً في سادس دورة للانتخابات التشريعية منذ الغزو الأميركي الذي أطاح نظام صدام حسين في العام 2003.
ويحق لأكثر من 21 مليون ناخب التصويت، لكن هناك مخاوف من أن تكون نسبة المشاركة هذا العام أقلّ من نسبة 41 في المئة المسجّلة في 2021 والتي كانت الأدنى منذ 2003.
ويُطبّق على هذه الانتخابات قانوناً كان قائماً قبل تظاهرات أكتوبر 2019 التي احتجّ فيها الآلاف ضدّ الفساد وضدّ القانون نفسه الذي يخدم برأي كثر مصالح الأحزاب الكبيرة.
لكنّ المحتجين نجحوا حينذاك في تحقيق مطلبهم المرتبط بقانون جديد للانتخابات سمح بفوز مرشحين مستقلين. وتمكّن المستقلون في انتخابات 2021 من الفوز بنحو 70 مقعدا، قبل أن يُعيد البرلمان العراقي إحياء القانون القديم عام 2023.
ويشارك في الدورة الحالية للانتخابات 75 مرشّحا مستقلّا فقط.
في هذا السياق، ما هي أبرز القوائم الانتخابية المشاركة هذا العام؟
ـ غالبية شيعية
منذ إطاحة نظام صدام حسين، أصبحت الغالبية الشيعية في العراق تهيمن على سياسة البلاد.
وبعد انتخابات 2021، التفّت الأحزاب الشيعية البارزة تحت مظلة «الإطار التنسيقي» الذي أصبح تحالفاً حاكماً يجمع فصائل ذات روابط متفاوتة بإيران، ويتمتّع بأكبر كتلة برلمانية وقد أوصلت رئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني إلى السلطة.
وتخوض هذه المجموعات الانتخابات بشكل منفصل، لكن يرجح أن تتّحد مجدداً بعد الاقتراع لتشكيل الحكومة المقبلة.
القوائم الشيعية الرئيسية هي كما يأتي:
ـ ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة السوداني الذي يأمل بالحصول على ولاية ثانية ويُتوقّع أن يفوز بعدد كبير من المقاعد.
ـ ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي مازال يتمتع بنفوذ كبير في السياسة العراقية رغم ماضيه المثير للجدل، ويعتبره كثر صانعاً للملوك.
- تحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة السياسي رجل الدين البارز عمار الحكيم الذي يقود المعسكر الشيعي المعتدل.
- حركة الصادقون التابعة لقيس الخزعلي زعيم فصيل عصائب أهل الحق، وقد برز خلال السنوات الأخيرة كأحد الساسة البارزين في البلاد ويخضع لعقوبات أميركية وتصنّفه واشنطن «إرهابياً».
- منظمة بدر بزعامة هادي العامري. وتُعدّ منظمة بدر أحد أكبر الفصائل الموالية لإيران داخل قوات الحشد الشعبي التي دُمجت ضمن قوات الأمن النظامية.
- حركة حقوق المقربة من «كتائب حزب الله»، أحد أبرز الفصائل المسلحة الموالية لإيران وتصنفه الولايات المتحدة جماعة «إرهابية».
ويتوقع محللون أن تكون هذه المنافسة الشيعية الأكبر بين المالكي والسوداني الذي بدأ مسيرته السياسية في العام 2010 ضمن حكومة المالكي.
ـ انقسام سني
يخوض سنة العراق الانتخابات بقوائم منفصلة، تتصدرها قائمة «تقدم» التي يقودها زعيم حركة تقدم رئيس البرلمان السابق محمّد الحلبوسي. ويتوقّع أن تحقق فوزا كبيرا.
والمنافس الرئيسي لهذه القائمة هو «تحالف السيادة» بزعامة رجل الأعمال السني خميس الخنجر ورئيس البرلمان محمود المشهداني.
وتشارك قائمة سنية ثالثة بارزة هي «تحالف العزم» ويتزعّمها رجل الأعمال مثنى السامرّائي.
ـ تنافس كردي
يمثل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، نجل الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، أبرز متنافسَين في إقليم كردستان العراق.
وانبثقت في العام 2017 حركة «الجيل الجديد» المعارضة التي حُكم على زعيمها شاسوار عبد الواحد في سبتمبر بالسجن خمسة أشهر في قضية تشهير.