كلمة صدق

التعليم وعقلية الفلقة

تصغير
تكبير

في بعض الأزمنة السابقة ارتبط التعليم بالعنف، وارتبط التعليم بالخيزرانة والفلقة، فلقة تُعلّق فيها رِجلا التلميذ ويجحش بخيزرانة، أو عصاة حتى يتأدب ويتعلّم!

لقد كانت الخيزرانة صورة مصغّرة من السوط، والضرب بها عقوبة مصغرة عن عمليات الجلد، فكأنما التلميذ الذي أخطأ في مسألة أو قصّر في واجب منزلي قد ارتكب جرماً فاحشاً يستحق معه الجلد على رؤوس الأشهاد من زملائه الطلاب.

لحظة، قد يقول قائل تمهّل أيها الكاتب تمهّل، فالقوانين حالياً لا تسمح بالعقوبة البدنية، حتى الألفاظ المسيئة لا يسمح للمدرس باستخدامها ضد التلميذ.

نعم صحيح، لكن هناك بعض من هم في الجهاز التعليمي ممن يعيشون في عقلية الفلقة، ويبحثون عن أي مفردة ممكنة لجلد التلميذ الصغير أو الطالب البالغ لفظياً. قد يكون عدد هؤلاء من أصحاب هذه العقلية قليلاً من مدرسين أو إداريين في المدرسة، لكن أثرهم السلبي كبير، فكلمة واحدة منهم قد تكون كفيلة بتدمير مستقبل تلميذ ابتدائي أو طالب ثانوي.

لقد أصبح نادراً العنف البدني بالمدارس كطريقة للتعليم والتأديب، العنف البدني الذي أشار إليه تقرير عن منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، وجرى فيه تحليل شمل 49 دولة، إلى أن الأطفال الذين يتعرّضون للعقاب البدني هم في المتوسط أكثر عرضة بنسبة 24 في المئة للنمو بشكل سليم مقارنة بأقرانهم الذين لا يتعرّضون للعنف. والعنف البدني يؤثر حتى بعد بلوغ الطالب بسلوكه ونفسيته من شعور بالقلق والاكتئاب وعدم الثقة بالنفس، وقد تتطور إلى سلوك عدواني أو إدمان على المخدرات أو غير ذلك.

الآن، أصبح العنف البدني في المدارس في طريق الانقراض بسبب القوانين، لكن وكما تقول الدكتورة شانتا ديوب، مديرة قسم الصحة العامة في وينغيت في ولاية كارولاينا الشمالية في أميركا، «إن العنف اللفظي قد يقوض الفوائد النفسية التي حققتها المجتمعات بعد تقليل العنف الجسدي». وهنا مربط الفرس، حين تكون عقلية بعض المدرسين هي عقلية الفلقة فيستبدل عنف يترك أثراً تراه العين على البدن، إلى عنف يخسف بالنفس بشكل لا يراه الناظر.

هناك دراسة لمجلة بي أم جي أوين، العلمية الصحية المتخصصة، أشارت فيها إلى أن من تعرضوا للعنف البدني كانوا عرضة بنسبة 50 في المئة لمشاكل نفسية في مرحلة البلوغ، بينما ارتفعت النسبة إلى 60 في المئة بين الأشخاص الذين تعرّضوا للعنف اللفظي.

إذاً ما هي الحلول؟

لقد نشر كاتب السطور في صحيفة «الراي» الغراء قبل أربع سنوات مقالاً بعنوان (النظام التعليمي المدرسي بعد كورونا)، أشار فيه نصاً بأنه مازالت «هناك أساليب تعليمية قديمة من حيث النوع، وهناك أساليب تعليم عنيفة وان تم منع التعنيف البدني فما زال العنف اللفظي سارياً، في زمن تغير وزاد فيه الذكاء اللفظي للأطفال».

ويضيف كاتب السطور في المقال نفسه، بأن «الدول المتطورة علمياً وتعليمياً قد طلّقت وسائل وأساليب ونظم التعليم القديمة السارية عندنا من زمن بعيد، خصوصاً في أوروبا، ولحقتها حسب حاجتها دول آسيا كاليابان وسنغافورة. فسنغافورة التي كانت دولة فقيرة قليلة الموارد قبل نصف قرن أصبحت دولة صناعية ومركزاً تجارياً حيوياً، ويعود جزء من نجاحها عبر تركيزها على وضع نظام تعليمي مدرسي مجد، فقد أصبحت المناهج أقل والتعلم أكثر وقامت بتشجيع التعلم الجماعي».

هناك مثال آخر، في فنلندا التي كانت في السابق دولة أوروبية قليلة الموارد، وضعت نظاماً تعليمياً غير جامد وفعّال، وقامت بالتركيز على التعليم الجماعي للتلاميذ وحل الفروض العلمية بشكل جماعي بالفصل، واتباع طرق متنوعة للتعليم، وزيادة أنشطة المرح ووضع مناهج محببة للتلاميذ الصغار بالذات، حتى أصبحت فنلندا من الدول المتطورة في التعليم بشكل خاص، وما نتج عن ذلك من تطور في بقية المجالات بشكل عام.

إذاً، المطلوب ليس فقط قوانين تحمي الطالب من العنف البدني، أو العنف اللفظي، ولكن المطلوب القضاء تماماً على عقلية الفلقة التي قد تتسلل مع البعض إلى البدن التربوي، والاستعاضة عنها بوضع منهج واضح ورسم خطة طريق للمعلمين الأفاضل تحدد فيه أهداف المعلم للارتقاء بالمستوى العلمي للتلاميذ والطلبة بكل الوسائل التربوية المناسبة، بعيداً عن عقلية الفلقة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي