هل يستطيع الذكاء الاصطناعي غزو «حصن» نومنا؟
في عصر يتجه نحو الدمج المتسارع بين البشر والتكنولوجيا - حيث تظهر تقنيات لقراءة الإشارات العصبية وواجهات الدماغ - الحاسوب – يبقى «سلطان النوم» كآخر معقل وحصن للخصوصية البشرية والاستقلالية العصبية. فهل سيستطيع الذكاء البشري أن يتمكن ذات يوم من اختراق ذلك الحصن البشري الحصين؟
فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة وتحليل كل شيء تقريباً من سلوكنا الظاهري إلى بياناتنا الصحية، فإن حالة النوم تظل «الصندوق الأسود» للعقل، وهي الحدود التي لا يبدو أن أي تكنولوجيا قادرة على اختراقها بشكل كامل. النوم هو العملية البيولوجية الوحيدة التي «تفصلنا» قسراً عن العالم الرقمي.
وعندما ننام، ينفصل وعينا عن المحفزات الخارجية، وتسيطر العمليات الداخلية اللاإرادية على الدماغ. هذه الحالة من الانفصال هي ما يحمي أفكارنا، ومخاوفنا، وذكرياتنا الأعمق من أن يتم تسجيلها أو تحليلها أو استغلالها بواسطة الذكاء الاصطناعي. حتى أكثر تقنيات التصوير الدماغي تطوراً تواجه تحدياً جوهرياً في تفسير حالة الحلم، التي هي تجربة ذاتية بحتة لا يمكن قياسها بشكل موضوعي.
ولفهم هذه القضية الأخلاقية والنفسية، هناك بعض الحقائق عن خصوصية النوم:
• النوم حاجة بيولوجية مقدسة: الحاجة إلى النوم هي القوة الطبيعية التي تفرض على البشر «الانقطاع» عن العالم. هذا الانقطاع الإجباري هو ما يحمينا من خطر أن نصبح كائنات متصلة دائماً (always-on)، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة وعينا على مدار 24 ساعة.
• استعادة السيطرة والاستقلالية: النوم هو الوقت الذي نستعيد فيه السيطرة الكاملة على أذهاننا بعيداً عن خوارزميات التوصية، والإشعارات، والمطالب الرقمية. هو مساحة للتفكير غير الموجه، ومعالجة العواطف، والشفاء العصبي.
• التحدي المستقبلي: مع تطور واجهات الدماغ-الحاسوب، قد تحاول بعض الشركات التكنولوجية تطوير أجهزة يمكن ارتداؤها أثناء النوم لـ «تحسين» أو «تسجيل» الأحلام. هذا يثير أسئلة أخلاقية عميقة حول ملكية أفكارنا وأحلامنا.
• الحفاظ على الإنسانية: حماية قدسية النوم وعدم السماح لأي تكنولوجيا بغزو هذه المساحة ليست مجرد مسألة خصوصية، بل هي مسألة تتعلق بالحفاظ على جوهر الإنسانية (itself). إنها الحدود التي ينبغي أن نصر على أن الذكاء الاصطناعي لا يتجاوزها.
ويوصي الخبراء في هذا المجال بأنه في خضم سباقنا نحو مستقبل أكثر ذكاءً اصطناعياً، ينبغي علينا أن نحمي قدسية النوم، ليس فقط من أجل صحتنا، ولكن من أجل حريتنا العقلية، فهو الحاجز البيولوجي الأخير الذي يحمي عالمنا الداخلي من الغزو الخارجي الكامل.