رأي نفطي

أين البديل عن النفط؟

تصغير
تكبير

تواجه دولة الكويت اليوم تحدّياً اقتصادياً ملحّاً، يتمثّل في ضرورة وصول سعر برميل النفط إلى نحو 90 دولاراً لتغطية المصروفات السنوية للدولة خلال السنة المالية الحالية، التي تنتهي في مارس من العام المقبل. فهذا هو السعر التعادلي الذي يمكّن الميزانية العامة من تجنّب العجز.

في المقابل، يتراوح سعر النفط الكويتي حالياً بين 67 و68 دولاراً للبرميل، وهو ما يعني فارقاً كبيراً يصل إلى نحو 12 دولاراً للبرميل. ووفق التقديرات الحالية، فإن الإيرادات النفطية المتوقعة تبلغ حوالي 18 مليار دينار (ما يعادل 54 مليار دولار)، في حين تصل المصروفات إلى 25 مليار دينار (ما يعادل 78 مليار دولار). وينتج عن ذلك عجز مالي سيتم تغطيته عبر الاقتراض من البنوك العالمية، وهي بدورها لن تتردد في منح القروض نظراً لما تملكه الكويت من أصول ضخمة في صندوقها السيادي، تتجاوز التريليون دولار، إضافة إلى احتياطات نفطية تقدّر بنحو 90 مليار برميل.

ورغم امتلاك الكويت لثروات مالية ومادية كبيرة، إلا أن الحاجة تظل قائمة لتنويع مصادر الدخل، واستثمار الفوائض المالية في قطاعات وصناعات بديلة، وعدم الاكتفاء بالقطاع النفطي. ويمكن ذلك عبر جذب الشركات البتروكيماوية للاستثمار داخل الكويت، مستفيدة من توافر المواد الخام من النفط والغاز، ما يشكل بديلاً اقتصادياً مهماً.

لقد كانت الكويت في الماضي من الدول الرائدة في الاستثمار بمشاريع المصافي داخل وخارج الوطن، وكانت من أولى دول «أوبك» في هذا المجال، ومصفاة الشعيبة كانت خير شاهد على ذلك. كما تمتلك البلاد اليوم خبرات بشرية وإدارية كبيرة في إدارة وتشغيل المصافي. فلماذا لا تستعيد الكويت دورها الريادي الذي تميزت به منذ خمسينات القرن الماضي، حين كانت سبّاقة في مجالات التعليم والصحة وغيرها، ضمن إمكانات محدودة، لكن ضمن رؤية واضحة وإدارة فعّالة؟ يثور التساؤل هنا: هل توقّفنا عن التقدم؟ وهل ما زلنا في موقع الريادة؟ وما الذي يجب فعله لاستكمال مسيرة التطوير؟ فالدول المجاورة بدأت تنافس بقوة مستفيدة من ارتفاع إيراداتها النفطية، بل وربما تفوقت على الكويت في بعض المجالات.

لقد تبنّت الكويت سياسة إنتاجية تحفظية، بتحديد سقف للإنتاج لا يتجاوز ثلاثة ملايين برميل يومياً، وذلك تجنباً لاستنزاف المورد النفطي، وقد يكون السبب في ذلك مجلس الأمة الذي وضع رقم الـ3ملايين كسقف أعلى للانتاج. إلا أن هذه السياسة تصبح صعبة التطبيق في ظل انخفاض الأسعار والحاجة إلى رفع الإيرادات. كما أن خفض المصروفات يبدو معقداً في ظل متطلبات البنية التحتية المتزايدة وارتفاع عدد السكان.

ولا يمكن إغفال أن الكويت كانت رائدة أيضاً في إنشاء الصناديق السيادية والاستثمار في القطاع البتروكيماوي، من خلال شراكات عالمية كبرى مثل التحالف السابق مع شركة «داو كيميكال». ورغم ما شابه ذلك المشروع من خلافات، فإنه لا ينبغي أن يقف حاجزاً أمام إقامة مشاريع مستقبلية داخل البلاد، تسهم في تنمية الصناعة البتروكيماوية وتوفير فرص عمل للشباب.

فالقطاع النفطي وصل إلى مرحلة التشبّع الوظيفي، حيث بلغت نسبة الاكتفاء نحو 85 %، ما يدفع الشركات النفطية إلى توظيف المواطنين عبر القطاع الخاص والشركات الخدمية المتعاملة معها.

إنّ التحدي الأكبر اليوم يتمثل في تطوير قطاع بتروكيماوي متقدّم داخل الكويت، يقوم على شراكات دولية، ويعتمد على المواد الأولية المتوافرة مثل الغاز أو مادة النافثا التي تُباع للخارج ثم تُعاد إلينا مكرّرة ومصنّعة. ومن خلال بناء مجمعات صناعية محلية، يمكن خلق وظائف ونشاط اقتصادي مستدام يكمّل القطاع النفطي بدلاً من أن يعتمد عليه بالكامل.

لقد آن الأوان للبحث الجاد عن بدائل اقتصادية حقيقية... وربما نكون بالفعل قد بدأنا في اكتشاف الطريق نحو هذا البديل.

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي