تركيز متزايد على بناء بنى تحتية سيادية للحوسبة المتقدّمة
«تقنية الأموال»: الخليج يشهد تسارعاً لافتاً في التحول نحو اقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي
-عبدالعزيز البابطين: «ooredoo» جهّزت أول مركز بيانات مدعماً بالذكاء الاصطناعي مع «NVIDIA» سيقود الاقتصاد الرقمي بالكويت
- ناصر العتيبي: الاقتصاد يتجه نحو مزيد من التحول الرقمي ما يفتح الباب لظهور قطاعات جديدة وفرص عمل مختلفة
انطلقت النسخة الرابعة من «قمة تقنية الأموال»، التي نظّمتها جريدة الجريدة، وسط حضور واسع من المسؤولين التنفيذيين ورواد الأعمال والخبراء في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنية المالية، حيث سلّطت الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الرقمي والتحول التقني الذي تشهده المنطقة.
وخلال القمة جرى التأكيد على أن دول الخليج تشهد تسارعاً لافتاً في مسار التحول نحو اقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي، مع تركيز متزايد على بناء بنى تحتية سيادية للحوسبة المتقدّمة، وتمكين رأس المال البشري، وجذب الشركات التقنية الناشئة، وترسيخ الشراكات مع عمالقة التكنولوجيا العالمية. وتؤكد مداولات القيادات التنفيذية ورواد الأعمال أن المنطقة تقف على أعتاب مرحلة جديدة، تتشكل فيها ملامح اقتصاد رقمي متكامل يخدم قطاعات الاتصالات والصناعة المالية والطاقة والرعاية الصحية والعقارات.
ورغم تباين مستويات النضج بين دول الخليج، تتفق الآراء على أن المنظومة الاقتصادية الإقليمية تتحرك بخُطى ثابتة لتصبح لاعباً محورياً في صناعة الذكاء الاصطناعي العالمية، مستندة إلى قدراتها المالية، وموارد الطاقة، وتسارع تأسيس المراكز التقنية، وتمدّد الشراكات مع شركات عالمية مثل «NVIDIA».
وفي الوقت الذي يقود فيه القطاع الخاص موجة الابتكار، تتزايد دعوات توحيد التشريعات الخليجية، وتعزيز دور الصناديق السيادية، وإطلاق برامج تدريب واسعة النطاق لسد فجوات المواهب.
أداة رئيسية
خلال كلمته الافتتاحية أكد رئيس تحرير جريدة الجريدة ناصر العتيبي، أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة رئيسية في اتخاذ القرارات الاقتصادية، حيث يمتد دوره إلى تحسين إدارة المخاطر والكشف عن الاحتيال.
وأوضح أن الاقتصاد يتجه نحو مزيد من التحول الرقمي، ما يفتح الباب أمام ظهور قطاعات جديدة وفرص عمل مختلفة، لكنه يفرض تحديات تتعلّق بإعادة تأهيل القوى العاملة وتحديث البنية التحتية الرقمية.
وقال العتيبي: «الذكاء الاصطناعي ارتدى عباءة المستشار الخبير، وأصبح يقدّم توصيات دقيقة تساعد في تعزيز النمو الاقتصادي، وزيادة الكفاءة الإنتاجية والخدمية، وفتح آفاق جديدة لاقتصاد رقمي مستدام وتنافسي».
أهم الأولويات
وفي كلمته في الجلسة الافتتاحية، كشف الرئيس التنفيذي لشركة «Ooredoo الكويت» عبدالعزيز البابطين، أن «ooredoo» جهزت أول مركز بيانات مدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركة «NVIDIA» وهو نواة تأسيس منظومة ذكاء اصطناعي سيادية آمنة تقود الاقتصاد الرقمي داخل الكويت.
وذكر أن الشركة وضعت الذكاء الاصطناعي ضمن أهم أولوياتها مبكراً، مشيراً إلى التعاون مع شركة «NVIDIA» لإدخال مناهج الذكاء الاصطناعي في الجامعات وتمكين الكوادر الوطنية.
وقال البابطين: «هذه المبادرة تمثّل نقلة نوعية لدعم البنية التحتية الوطنية للذكاء الاصطناعي»، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يطبّق حالياً في خدمة العملاء، حيث ساعد في تقليص الوقت المستغرق لمعالجة استفسارات العملاء من 3 أسابيع إلى 3 أيام، من خلال تحليل تاريخ العميل واهتماماته لتقديم تجربة أكثر دقة وفاعلية. وأضاف: «نحن نؤهل موظفينا ونحتضن الكفاءات، ونسعى لخلق جيل جديد من الخبراء في الذكاء الاصطناعي يخدم مستقبل الكويت».
فرص النمو
وخلال الجلسة الأولى من القمة المالية، أكد الشريك الإداري في شركاء الاستثمار بالشرق الأوسط ربيع الخوري، أن الذكاء الاصطناعي يمثل ملفاً جوهرياً للاستثمار الإقليمي، وأن دول الخليج تمتلك فرصاً كبيرة للنمو في هذا القطاع.
وشدّد على ضرورة توحيد الأنظمة واللوائح بين الدول الخليجية لتسهيل الاستثمارات وتسريع تطوير البنية التحتية، داعياً الصناديق السيادية إلى لعب دور ريادي في نقل الخبرات العالمية وخلق القيمة المضافة محلياً. وقال «الخليج ليست سوقاً هامشية، بل موجودة بقوة على خارطة استثمارات الذكاء الاصطناعي».
بدورها، قالت الرئيس التنفيذي لشركة «Syntys» سونيتا بوتسي، إن استقرار الطاقة يُعدّ شرطاً أساسياً لتطوير الذكاء الاصطناعي، مؤكدة أن مشروع الفايبر الذي أطلقته«Ooredoo»سيكون له أثر كبير في 2027.
ولفتت إلى أن بناء المواهب وتدريبها يمثّل التحدي الأكبر، مع وجود نقص بنحو 350 ألف موهبة في المنطقة، داعية إلى التركيز على تطوير مراكز التعليم والتدريب المؤهلة لدعم الثورة الرقمية.
تسهيل الأعمال
وأشار رئيس قطاع الشركات الناشئة في«Amazon Web Services» كارتك رينجن، إلى ضرورة توحيد الأنظمة بين دول الخليج لتسهيل عمل رواد الأعمال، خصوصاً شركات الفنتك التي تواجه التعامل مع 5 مصارف مركزية مختلفة.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يساعد على خفض التكاليف وتعزيز الإبداع، ما يتيح للمشاريع الصغيرة التنافس في بيئة أكبر وأكثر ابتكاراً.
وعرضت الدكتورة خديجة علي من «BioSapien» منصة تعتمد على رقائق بيولوجية لعلاج السرطانات، مستهدفة الخلايا المريضة فقط دون التأثير على الجسم بالكامل، مع إمكانية خفض تكاليف العلاج محلياً.
كما أشار نيل وارما من«Mongoose Bio»إلى مشاريع مبتكرة لمكافحة التقدّم في العمر وتعزيز كفاءة الجهاز المناعي باستخدام الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التجارب الفضائية المستقبلية.
وأكد أيمن الشرايحةمن «Altibbi» على أهمية دمج البيانات والذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، مشدداً على ضرورة التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص لتقليل التكاليف وتحسين جودة الخدمات.
الحوسبة الذكية
وقال الرئيس التنفيذي لقطاع التكنولوجيا في «Ooredoo الكويت» المهندس عيسى حيدر، إن الشركة تحولت من مجرد شركة اتصالات إلى منصة وطنية للحوسبة الذكية، بتمكين مراكز البيانات بتقنيات«NVIDIA»، ما يتيح تشغيل التطبيقات الذكية محلياً بأعلى معايير الأمان والسيادة.
من ناحيتها، أشارت مديرة الشؤون الخارجية والمشاريع الإستراتيجية في«Ooredoo» نوف المشعان، إلى أن هذه البنية التحتية تؤسس لتحوّل الكويت إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، مع دعم الكفاءات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي.
«إنفيديا»: نتعاون مع الكويت لتأسيس بنى تحتية سيادية للذكاء الاصطناعي
قال رئيس تبني منظومة الذكاء الاصطناعي وتطوير العلاقات لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا في «إنفيديا»، أحمد مصطفى، إن بناء الجيل الجديد من المصانع الرقمية الذكية – أو ما وصفه بمصانع الذكاء (AI Factories) – سيشكّل أساس الاقتصادات المستقبلية، مشيراً إلى أن دول الخليج، ومنها الكويت، بدأت بالفعل استقبال وحدات معالجة وتسريع حوسبة لتأسيس بنى تحتية سيادية للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع «إنفيديا».
وأضاف مصطفى أن «إنفيديا» تستثمر أكثر من 75 % من قدراتها الهندسية في تطوير البرمجيات والبيئات المفتوحة، بما يضمن تبني تقنيات آمنة وقابلة للحماية السيادية، لافتاً إلى تعزيز الأكاديمية التدريبية للشركة«NVIDIA DLI» لتطوير مهارات المواهب المحلية، مع توفير دورات تدريبية مجانية للمجتمع التقني في الكويت والخليج.
وأضاف أن العالم يدخل مرحلة جديدة تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مؤكداً أن التكنولوجيا ليست فقاعة بل نتيجة تراكم استثماري وعلمي امتد على مدى ثلاثة عقود منذ إطلاق أول وحدة معالجة رسوميات عام 1995.
وأضاف: «الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة اقتصادية عالمية تتجاوز 100 تريليون دولار، والمنطقة تمتلك مقومات تجعلها في مقدمة تبني هذه الثورة التقنية، سواء في الطاقة أو المدن الذكية أو المال أو الزراعة».
فهد الشارخ: الشركات الناشئة ركيزة للابتكار والتنمية الاقتصادية
تحدث الرئيس التنفيذي لشركة «Technivest» فهد الشارخ، خلال الجلسة الثالثة، عن أهمية الشركات الناشئة كركيزة للابتكار والتنمية الاقتصادية، موضحاً أن عناصر نجاحها الثلاثة هي:
1. فكرة مبتكرة تلبّي حاجة السوق.
2. فريق عمل متكامل يجمع مهارات تقنية وإدارية وتسويقية.
3. خطة عمل واضحة وإستراتيجية مرنة مع تحديد مصادر التمويل.
كما شدد الشارخ أهمية المرونة والمثابرة لتجاوز الفشل، مشيراً إلى أهمية الاستثمار في المجالات التقنية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والتكنولوجيا الخضراء، إضافة إلى الحوسبة الكمية.
من ناحيته، أكد حسن زينل من «Arzan VC» ضرورة دعم الشباب الكويتي لبدء مشاريعهم والانطلاق بها عالمياً، بالتعاون مع الحكومة والبنك المركزي لتوفير بيئة مواتية.
تمويلات بـ 150 مليون دولار لدعم تملك السكن
ناقشت الجلسة الرابعة تحت عنوان «التحولات الجذرية في قطاع التقنية العقارية»، دور هذه التقنيات في إعادة تعريف الاستثمار العقاري وفتح آفاق جديدة للنمو، وبحثت نماذج التمويل والاستثمار المبتكرة كالاستثمار العقاري الجماعي والحلول الرقمية في إدارة العقارات، وكيف تسهم رقمنة السوق في رفع جاذبيته الاستثمارية واستقطاب مستثمرين جدد.
وشارك في الجلسة كل من: المؤسس والشريك الإداري في «Mudeer» علي الفوزان، وشريك مؤسس والرئيس التنفيذي المشارك في «Stake» منار محمصاني، والشريك المؤسس والرئيس التنفيذي في «Keyper» عمر أبو عناب، والشريك المؤسس والرئيس التنفيذي في «سكن» عبدالله الصالح.
وقال عبدالله الصالح، إن«Sakan» توسّعت من نموذج الاشتراك إلى تقديم خدمات متكاملة تغطي رحلة التملك، مشيراً إلى شراكة المنصة مع بيت التمويل الكويتي استجابة لتحديثات تنظيمية جديدة تعزز تمويل القطاع السكني.
وقال الصالح: «نواجه طلباً يتجاوز 128 ألف أسرة بانتظار حلول إسكانية، وهدفنا تقديم تجربة متكاملة تربط المستخدم بالخدمات المالية مباشرة عبر المنصة بما يسهم في تسريع التملك السكني».
من جهته، أوضح منار محمصاني أن «Stake» تقدّم حلولاً مالية تشمل الدفع المؤجل للإيجار واستلام الدفعات مقدماً للملاك، مشيراً الى جمع المنصة 30 مليون دولار من«Franklin Templeton» لتوفير تمويلات بقيمة 150 مليون دولار للسوق.
من جهته، أكد علي الفوزان، أن السوق العقاري الخليجي ما زال تقليدياً في إدارة العقارات الصغيرة والمتوسطة، رغم تقدّم القطاع التجاري الكبير في المنشآت الضخمة، مشيراً إلى أن المنصة تستهدف بناء بيانات تشغيلية ومعايير أداء خلال عامين تغطي العقارات السكنية الصغيرة والمباني التجارية المتوسطة، بما يتيح مقارنة الأداء ورفع الكفاءة وخفض التكاليف.
أهم محاور النقاش خلال القمة:
أكدت نقاشات القمة المالية أن دول الخليج تدخل مرحلة جديدة من البناء الرقمي تشمل:
• تأسيس بنى تحتية سيادية للحوسبة.
• تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الاتصالات والصناعة والطب والعقارات.
• توفير برامج تدريب واسعة لسد فجوات المواهب.
• تعزيز شراكات عالمية بقيادة «إنفيديا» وغيرها.
• الدعوة لتوحيد التشريعات وتسهيل توسع الشركات الناشئة.
توصيات القمة:
خلصت القمة إلى مجموعة توصيات رئيسية، من بينها:
• تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص لتطوير الذكاء الاصطناعي.
• الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، ومراكز البيانات، والطاقة النظيفة.
• دعم ريادة الأعمال وتهيئة بيئة محفزة للشركات الناشئة، خصوصاً في مجالات التقنية المالية والذكاء الاصطناعي.
• تطوير المناهج التعليمية لإعداد جيل جديد من الخبراء القادرين على مواكبة الثورة الرقمية.