دقة المعلومات تبقى تحدياً مستمراً
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي إحداث ثورة في إدارة البيانات المؤسسية؟
في ظاهرة تدل على أن منصات الذكاء الاصطناعي تُعيد تعريف كيفية تخزين المعرفة والبيانات المؤسسية واسترجاعها ومشاركتها، تشهد الشركات العالمية تحولاً جذرياً في طريقة إدارتها للمعرفة المؤسسية، وذلك بفضل التقدم الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل «ChatGPT» وأقرانه.
فلم تعد قواعد البيانات التقليدية والمستندات المنتشرة عبر خوادم متعددة كافية في عصر التسارع الرقمي، حيث تُقدر الخسائر الناجمة عن ضعف إدارة المعرفة بنحو 50 مليار دولار سنوياً على مستوى العالم.
وتعمل منصات الذكاء الاصطناعي المتقدمة على تحويل المعرفة الضمنية والصريحة إلى أصول إستراتيجية قابلة للاستغلال الفوري.
فقد أظهرت الدراسات أن الموظفين يقضون ما يصل إلى 20 في المئة من وقت عملهم في البحث عن المعلومات داخل المؤسسة، وهو الأمر الذي يمكن تخفيضه إلى أقل من 5 في المئة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المتكاملة.
وتُمكِّن هذه الأنظمة الجديدة الموظفين من الوصول إلى المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب من خلال واجهات محادثة بديهية. فبدلاً من التنقل بين عشرات المجلدات وملفات «PDF»، يمكن للموظف ببساطة أن يسأل: «ما هي أفضل الممارسات لإعداد عرض تقديمي للعميل في قطاع البنوك؟» ليحصل على إجابة شاملة تجمع بين السياسات الرسمية ودراسات الحالة السابقة وتجارب الزملاء.
والأكثر إثارة هو قدرة هذه الأنظمة على استخلاص المعرفة الضمنية - تلك الخبرات غير الموثقة التي يحملها الموظفون المخضرمون. فمن خلال تحليل المحادثات والاجتماعات والتقارير السابقة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد أنماط العمل الناجحة واستخلاص الدروس المستفادة تلقائياً، ما يحوّل الخبرة الفردية إلى ملكية مؤسسية دائمة.
وتعمل الشركات الرائدة على تطوير «ذاكرة مؤسسية جماعية» تتطور باستمرار مع كل تفاعل. فكل سؤال يُطرح وكل مشكلة تُحل تُغذي قاعدة المعرفة المشتركة، ما يخلق نظاماً بيئياً للمعرفة ذاتية التعلم والتكيف. وقد سجلت الشركات التي تبنت هذه التقنيات تحسناً بنسبة 35 في المئة في كفاءة العمليات و40 في المئة في رضا العملاء.
غير أن الأمر لا يخلو من التحديات، حيث تواجه الشركات مخاوف جدية حول أمن البيانات والخصوصية. فقد أظهر استطلاع حديث أن 65 في المئة من مدراء تكنولوجيا المعلومات يشعرون بالقلق من تسرّب المعلومات الحساسة عبر منصات الذكاء الاصطناعي. كما أن دقة المعلومات تبقى تحدياً مستمراً، حيث إن «هلوسة» النماذج اللغوية قد تؤدي إلى نشر معلومات غير دقيقة.
وللتغلّب على هذه التحديات، تتبنى الشركات إستراتيجيات متعددة تشمل إنشاء أنظمة تحقق متعددة المستويات، وتطوير سياسات واضحة لتصنيف البيانات، واستخدام تقنيات «استرجاع المعلومات المعزز» التي تتيح للنماذج الوصول إلى مصادر موثوقة بدلاً من الاعتماد على معرفتها الداخلية فقط.
وسيشهد المستقبل القريب تحوّلاً أكبر نحو أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة المدربة على البيانات المؤسسية حصرياً، ما يضمن دقة أعلى وأماناً محسناً. كما تبرز تقنيات «الوكيل الذكي» التي لا تقدم المعلومات فحسب، بل تقوم تلقائياً بإجراء التحليلات وإعداد التقارير واقتراح الخطوات التالية.
وإجمالاً، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في إدارة المعرفة، بل أصبح الشريان الحيوي للذكاء المؤسسي في القرن الحادي والعشرين. الشركات التي تتقن هذه التحولات ستتمتع بميزة تنافسية هائلة، بينما تواجه الأخرى خطر التخلف عن الركب في سباق الابتكار المستمر.