هل هو الاستدراج؟

تصغير
تكبير

والدي،رحمه الله، تعلّمت منه الكثير كأي أب، لكني سمعت منه أموراً لم أسمعها من غيره في حياتي. كان لا يتأفف ولا يتذمر ولا يشكو من شيء، بل يؤول النقمة علّها تكون نعمة.

كان شاكراً لنعمة الله علينا، حتى إذا ذكرنا شيئا من نعم الله علينا كان يقول: «احنا يا وليدي في نَعمة، مو نِعمة».

ولغة «نَعمة» بفتح النون يقصد بها الترفه والتنعم والرخاء في المعيشة.

كان يقول عن موسم الغبار أنه مفيد للنبات والزرع. وكان يقول عند اشتداد القيظ والحرارة أن بيوتنا مكيفة والمساجد والسيارات وكل الأماكن وأن الحرارة أرحم من شدة البرد، وكان هذا دأبه في تقبل الحياة.

وجدتنا نعيش في بلد قد فتح الله علينا أبواب النعمة حيث يعلمها القاصي قبل الداني، وتأتينا خيرات الأرض من كل حدب وصوب.

كنت يوماً في الجمعية حيث ركن الأجبان الطازجة فوقفت أعد أصناف الزيتون فقط فوجدتها أكثر من 40 صنفاً، حيث تحتار لا تعرف ماذا تأخذ.

في هذا الزمان الذي نعيشه، تشاهد الزلازل والأعاصير والجوع والخوف والقتل والحروب والفقر وقسوة الحياة تفتك بالبشر. من دون ذكر أسماء البلدان المعروفة بالتفوق التكنولوجي والتقدم العلمي، هناك آلاف حالات الانتحار سنوياً، هناك آلاف حالات الاغتصاب سنوياً، اعتداءات، فقدان للوظائف، عطالة، فقر، عدم استقرار، انحلال اجتماعي، مشردين يفترشون الشوارع يموتون جوعاً، وغيره كثير مما تعرفون.

كنت أفكر ملياً وأتساءل، ما سبب اختصاص بلدنا بهذه النَعمة؟ هل نستحق ذلك دون الآخرين؟ هل نحن أعز على الله من أنبياء ورسل وأقوام صالحين؟ هل هي صدفة أم كل شيء قد كتب قبل الخلق في كتاب؟ سمعت أناساً ينظرون لها على أنها نعمة، وآخرين على أنها فتنة. يقول المولى عز وجل: «ونبلُوكم بالشر» «والخير فتنة».

وقفت مرات عديدة على آيات من سورة الأنعام حيث يقول الحق عز وجل: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)».

قال رسول الله، عليه الصلاة والسلام،:

(إذا رأيتَ اللهَ يُعطي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ فإنما هو اسْتدراجٌ ثم تلا: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ».

أخيراً، هل نظن بأنفسنا خيرا فنعيش براحة بال ونهنأ؟ أم نظن بأنفسنا غير ذلك علنا نغير من أنفسنا إلى أحسن؟

قال علقمة بن مرشد: قام المغيرة بن مخادش، ذات يوم إلى الحسن البصري، رحمه الله، فقال: كيف نصنع بأقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال الحسن: والله لئن تصحب أقواماً يخوفونك حتى يدركك الأمن، خير لك من أن تصحب أقواماً يؤمنونك، حتى يلحقك الخوف.(تهذيب حلية الأولياء ص336).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي